سيرة ذاتية مختصرة لتميم البرغوثي تميم البرغوثي شاعر فلسطيني ولد بالقاهرة عام 1977. له خمسة دواوين باللغة العربية الفصحى وبالعاميتين الفلسطينية والمصرية، هي: ميجانا، عن بيت الشعر الفلسطيني برام الله عام 1999 المنظر، عن دار الشروق بالقاهرة عام 2002 قالوا لي بتحب مصر قلت مش عارف، عن دار الشروق بالقاهرة عام 2005 مقام عراق، عن دار أطلس للنشر بالقاهرة عام 2005 في القدس، دار الشروق بالقاهرة وطبعة برام الله خاصة بفلسطين 2008 حصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية عام 2004 عمل أستاذاً مساعداً للعلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ومحاضراً بجامعة برلين الحرة، كما عمل بقسم الشؤون السياسية بالأمانة العامة للأمم المتحدة بنيويورك، وبعثة الأمم المتحدة بالسودان، وباحثاً في العلوم السياسية بمعهد برلين للدراسات المتقدمة وهو يعمل حالياً أستاذاً مساعداً للعلوم السياسية في جامعة جورجتاون بواشنطن. له كتابان في العلوم السياسية: الأول باللغة العربية بعنوان: الوطنية الأليفة: الوفد وبناء الدولة الوطنية في ظل الاستعمار صدر عن دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة، عام 2007، والثاني بالإنجليزية The Umma and the Dawla: the Nation state and the Arab Middle East عن مفهومي الأمة والدولة في العالم العربي صدر عن دار بلوتو للنشر بلندن، عام 2008.
أمر طبيعي أَمْرٌ طَبِيْعِيّ أَرَى أُمَّةً في الغَارِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ تَعُودُ إليهِ حِينَ يَفْدَحُهَا الأَمْرُ أَلَمْ تَخْرُجِي مِنْهُ إلى المُلْكِ آنِفَاً كَأَنَّكِ أَنْتِ الدَّهْرُ لَوْ أَنْصَفَ الدَّهْرُ فَمَالَكِ تَخْشَيْنَ السُّيُوفَ بِبَابِهِ كَأُمِّ غَزَالٍ فِيهِ جَمَّدَهَا الذُّعْرُ قَدِ اْرْتَجَفَتْ فَاْبْيَضَّ بِالخَوْفِ وَجْهُهَا وَقَدْ ثُبَّتَتْ فَاْسْوَدَّ مِنْ ظِلِّها الصَّخْرُ يا أُمَّتي يَا ظَبْيَةً في الغَارِ ضَاقَتْ عَنْ خُطَاها كُلُّ أَقْطَارِ الممَالِكْ في بالِها لَيْلُ المذَابِحِ والنُّجُومُ شُهُودُ زُورٍ في البُروجْ في بالِها دَوْرِيَّةٌ فِيها جُنُودٌ يَضْحَكُونَ بِلا سَبَبْ وَتَرَى ظِلالاً لِلْجُنُودِ عَلَى حِجَارةِ غَارِها فَتَظُنُّهم جِنَّاً وتَبْكِي: "إنَّهُ الموْتُ الأَكِيدُ ولا سَبِيلَ إلى الهَرَبْ" يَا ظَبْيَتي مهلاً، تَعَالَيْ وَاْنْظُرِي، هَذَا فَتَىً خَرَجَ الغَدَاةَ وَلَمْ يُصَبْ في كَفِّهِ حَلْوَىً، يُنَادِيكِ: "اْخْرُجِي، لا بَأْسَ يَا هَذِي عَلَيكِ مِنَ الخُرُوجْ" وَلْتَذْكُرِي أَيَّامَ كُنْتِ طَلِيقَةً، تَهْدِي خُطَاكِ النَّجْمَ في عَلْيائه، والله يُعرَفُ من خِلالِكْ يا أُمَّنا، والموتُ أَبْلَهُ قَرْيَةٍ يَهْذِي وَيسْرِقُ مَا يَطيب لَهُ مِنَ الثمر المبارَكِ في سِلالِكْ وَلأَنَّهُ يَا أمُّ أَبْلهُ، فَهْوَ لَيْسَ بِمُنْتَهٍ مِنْ أَلْفِ عَامٍ عَنْ قِتَالِكْ حَتَّى أَتَاكِ بِحَامِلاتِ الطَّائِرَاتِ وَفَوْقَها جَيْشٌ مِنَ البُلَهَاءِ يَسْرِقُ مِنْ حَلالِكْ وَيَظُنُّ أَنَّ بِغَزْوَةٍ أَوْ غَزْوَتَيْنِ سَيَنْتَهِي فَرَحُ الثِّمارِ عَلَى تِلالِكْ يَا مَوْتَنَا، يَشْفِيكَ رَبُّكَ مِنْ ضَلالِكْ! يَا أُمَّةً في الغَارِ مَا حَتْمٌ عَليْنَا أَنْ نُحِبَّ ظَلامَهُ إِنِّي رَأَيْتُ الصُّبْحَ يَلْبِسُ زِيَّ أَطْفَالِ المَدَارِسِ حَامِلاً أَقْلامَهُ وَيَدُورُ ما بينَ الشَّوارِعِ، بَاحِثاً عَنْ شَاعِرٍ يُلْقِي إِلَيْهِ كَلامَهُ لِيُذِيعَهُ للكَوْنِ في أُفُقٍ تَلَوَّنَ بِالنَّدَاوَةِ وَاللَّهَبْ يَا أُمَّتِى يَا ظَبْيَةً في الغَارِ قُومِي وَاْنْظُرِي ألصُّبْحُ تِلْمِيذٌ لأَشْعَارِ العَرَبْ يا أُمَّتي أَنَاْ لَستُ أَعْمَىً عَنْ كُسُورٍ في الغَزَالَةِ، إنَّهَا عَرْجَاءُ، أَدْرِي إِنَّهَا، عَشْوَاءُ، أَدْرِي إنَّ فيها كلَّ أوجاعِ الزَّمَانِ وإنَّها مَطْرُودَةٌ مَجْلُودَةٌ مِنْ كُلِّ مَمْلُوكٍ وَمَالِكْ أَدْرِي وَلَكِنْ لا أَرَى في كُلِّ هَذَا أَيَّ عُذْرٍ لاعْتِزَالِكْ يا أُمَّنا لا تَفْزَعِي مِنْ سَطْوَةِ السُّلْطَانِ. أَيَّةُ سَطْوَةٍ؟ مَا شِئْتِ وَلِّي وَاْعْزِلِي، لا يُوْجَدُ السُّلْطَانُ إلا في خَيَالِكْ يَا أٌمَّتي يا ظَبْيَةً في الغَارِ تَسْأَلُني وَتُلحِفُ: "هَلْ سَأَنْجُو؟" قُلْتُ: " أَنْتِ سَأَلْتِني مِنْ أَلْفِ عَامٍ. إنَّ في هَذَا جَوَاباً عَنْ سُؤَالِكْ" يَا أُمَّتِي أَدْرِي بأَنَّ المرْءِ قد يَخْشَى المهَالِكْ لَكِنْ أُذَكِّرُكُمْ فَقَطْ فَتَذَكَّرُوا قَدْ كَانَ هَذَا كُلُّهُ مِنْ قَبْلُ وَاْجْتَزْنَا بِهِ لا شَيْءَ مِنْ هَذَا يُخِيْفُ، وَلا مُفَاجَأَةٌ هُنَالِكْ يَا أُمَّتِي اْرْتَبِكِي قَلِيلاً، إِنَّهُ أَمْرٌ طَبِيْعِيٌّ، وَقُومِي، إنه أَمْرٌ طَبِيْعِيٌّ كَذَلِكْ.
قفي ساعة قفي ساعةً يفديكِ قَوْلي وقائِلُهْ قفي ساعةً يفديكِ قَوْلي وقائِلُهْ ولا تَخْذِلي مَنْ باتَ والدهرُ خاذِلُهْ أَنَا عَالِمٌ بالحُزْنِ مُنْذُ طُفُولَتي رفيقي فما أُخْطِيهِ حينَ أُقَابِلُهْ وإنَّ لَهُ كَفَّاً إذا ما أَرَاحَها عَلَى جَبَلٍ ما قَامَ بالكَفِّ كَاهِلُهْ يُقَلِّبُني رأساً على عَقِبٍ بها كما أَمْسَكَتْ سَاقَ الوَلِيدِ قَوَابِلُهْ وَيَحْمِلُني كالصَّقْرِ يَحْمِلُ صَيْدَهُ وَيَعْلُو به فَوْقَ السَّحابِ يُطَاوِلُهْ فإنْ فَرَّ مِنْ مِخْلابِهِ طاحَ هَالِكاً وإن ظَلَّ في مِخْلابِهِ فَهْوَ آكِلُهْ عَزَائي مِنَ الظُّلاَّمِ إنْ مِتُّ قَبْلَهُمْ عُمُومُ المنايا مَا لها مَنْ تُجَامِلُهْ إذا أَقْصَدَ الموتُ القَتِيلَ فإنَّهُ كَذَلِكَ مَا يَنْجُو مِنَ الموْتِ قاتلُِهْ فَنَحْنُ ذُنُوبُ الموتِ وَهْيَ كَثِيرَةٌ وَهُمْ حَسَنَاتُ الموْتِ حِينَ تُسَائِلُهْ يَقُومُ بها يَوْمَ الحِسابِ مُدَافِعاً يَرُدُّ بها ذَمَّامَهُ وَيُجَادِلُهْ وَلكنَّ قَتْلَىً في بلادي كريمةً سَتُبْقِيهِ مَفْقُودَ الجَوابِ يحاوِلُهْ ترىالطفلَ مِنْ تحت الجدارِ منادياً أبي لا تَخَفْ والموتُ يَهْطُلُ وابِلُهْ وَوَالِدُهُ رُعْبَاًَ يُشِيرُ بَكَفِّهِ وَتَعْجَزُ عَنْ رَدِّ الرَّصَاصِ أَنَامِلُهْ أَرَى اْبْنَ جَمَالٍ لم يُفِدْهُ جَمَالُهُ وَمْنْذُ مَتَي تَحْمِي القَتِيلَ شَمَائِلُهْ عَلَى نَشْرَةِ الأخْبارِ في كلِّ لَيْلَةٍ نَرَى مَوْتَنَا تَعْلُو وَتَهْوِي مَعَاوِلُهْ أَرَى الموْتَ لا يَرْضَى سِوانا فَرِيْسَة ً كَأَنَّا لَعَمْرِي أَهْلُهُ وَقَبَائِلُهْ لَنَا يَنْسجُ الأَكْفَانَ في كُلِّ لَيْلَةٍ لِخَمْسِينَ عَامَاً مَا تَكِلُّ مَغَازِلُهْ وَقَتْلَى عَلَى شَطِّ العِرَاقِ كَأَنَّهُمْ نُقُوشُ بِسَاطٍِ دَقَّقَ الرَّسْمَ غَازِلُهْ يُصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ يُوطَأُ بَعْدَها وَيَحْرِفُ عُنْهُ عَيْنَهُ مُتَنَاوِلُهْ إِذَا ما أَضَعْنَا شَامَها وَعِراقَها فَتِلْكَ مِنَ البَيْتِ الحَرَامِ مَدَاخِلُهْ أَرَى الدَّهْرَ لا يَرْضَى بِنَا حُلَفَاءَه وَلَسْنَا مُطِيقِيهِ عَدُوَّاً نُصَاوِلُهْ فَهَلْ ثَمَّ مِنْ جِيلٍ سَيُقْبِلُ أَوْ مَضَى يُبَادِلُنَا أَعْمَارَنا وَنُبَادِلُهْ
في القدس في القدس مرَرْنا عَلى دارِ الحبيب فرَدَّنا عَنِ الدارِ قانونُ الأعادي وسورُها فَقُلْتُ لنفسي رُبما هِيَ نِعْمَةٌ فماذا تَرَى في القدسِ حينَ تَزُورُها تَرَى كُلَّ ما لا تستطيعُ احتِمالَهُ إذا ما بَدَتْ من جَانِبِ الدَّرْبِ دورُها وما كلُّ نفسٍ حينَ تَلْقَى حَبِيبَها تُسَرُّ ولا كُلُّ الغِيابِ يُضِيرُها فإن سرَّها قبلَ الفِراقِ لِقاؤُه فليسَ بمأمونٍ عليها سرُورُها متى تُبْصِرِ القدسَ العتيقةَ مَرَّةً فسوفَ تراها العَيْنُ حَيْثُ تُدِيرُها في القدسِ، بائعُ خضرةٍ من جورجيا برمٌ بزوجته يفكرُ في قضاءِ إجازةٍ أو في في طلاءِ البيتْ في القدس، توراةٌ وكهلٌ جاءَ من مَنْهاتِنَ العُليا يُفَقَّهُ فتيةَ البُولُونِ في أحكامها في القدسِ شرطيٌ من الأحباشِ يُغْلِقُ شَارِعاً في السوقِ، رشَّاشٌ على مستوطنٍ لم يبلغِ العشرينَ، قُبَّعة تُحَيِّي حائطَ المبكَى وسياحٌ من الإفرنجِ شُقْرٌ لا يَرَوْنَ القدسَ إطلاقاً تَراهُم يأخذونَ لبعضهم صُوَرَاً مَعَ امْرَأَةٍ تبيعُ الفِجْلَ في الساحاتِ طُولَ اليَومْ في القدسِ دَبَّ الجندُ مُنْتَعِلِينَ فوقَ الغَيمْ في القدسِ صَلَّينا على الأَسْفَلْتْ في القدسِ مَن في القدسِ إلا أنْتْ وَتَلَفَّتَ التاريخُ لي مُتَبَسِّماً أَظَنَنْتَ حقاً أنَّ عينَك سوفَ تخطئهم، وتبصرُ غيرَهم ها هُم أمامَكَ، مَتْنُ نصٍّ أنتَ حاشيةٌ عليهِ وَهَامشٌ أَحَسبتَ أنَّ زيارةً سَتُزيحُ عن وجهِ المدينةِ يابُنَيَّ حجابَ واقِعِها السميكَ لكي ترى فيها هَواكْ في القدسِ كلًّ فتى سواكْ وهي الغزالةُ في المدى، حَكَمَ الزمانُ بِبَيْنِها ما زِلتَ تَرْكُضُ إثْرَهَا مُذْ وَدَّعَتْكَ بِعَيْنِها رفقاً بِنَفسكَ ساعةً إني أراكَ وَهَنْتْ في القدسِ من في القدسِ إلا أَنْتْ يا كاتبَ التاريخِ مَهْلاً، فالمدينةُ دهرُها دهرانِ دهر مطمئنٌ لا يغيرُ خطوَه وكأنَّه يمشي خلالَ النومْ وهناك دهرٌ، كامنٌ متلثمٌ يمشي بلا صوتٍ حِذار القومْ والقدس تعرف نفسها، إسأل هناك الخلق يدْلُلْكَ الجميعُ فكلُّ شيئ في المدينةِ ذو لسانٍ، حين تَسأَلُهُ، يُبينْ في القدس يزدادُ الهلالُ تقوساً مثلَ الجنينْ حَدْباً على أشباهه فوقَ القبابِ تَطَوَّرَتْ ما بَيْنَهم عَبْرَ السنينَ عِلاقةُ الأَبِ بالبَنينْ في القدس أبنيةٌ حجارتُها اقتباساتٌ من الإنجيلِ والقرآنْ في القدس تعريفُ الجمالِ مُثَمَّنُ الأضلاعِ أزرقُ، فَوْقَهُ، يا دامَ عِزُّكَ، قُبَّةٌ ذَهَبِيَّةٌ، تبدو برأيي، مثل مرآة محدبة ترى وجه السماء مُلَخَّصَاً فيها تُدَلِّلُها وَتُدْنِيها تُوَزِّعُها كَأَكْياسِ المعُونَةِ في الحِصَارِ لمستَحِقِّيها إذا ما أُمَّةٌ من بعدِ خُطْبَةِ جُمْعَةٍ مَدَّتْ بِأَيْدِيها وفي القدس السماءُ تَفَرَّقَتْ في الناسِ تحمينا ونحميها ونحملُها على أكتافِنا حَمْلاً إذا جَارَت على أقمارِها الأزمانْ في القدس أعمدةُ الرُّخامِ الداكناتُ كأنَّ تعريقَ الرُّخامِ دخانْ ونوافذٌ تعلو المساجدَ والكنائس، أَمْسَكَتْ بيدِ الصُّباحِ تُرِيهِ كيفَ النقشُ بالألوانِ، وَهْوَ يقول: "لا بل هكذا"، فَتَقُولُ: "لا بل هكذا"، حتى إذا طال الخلافُ تقاسما فالصبحُ حُرٌّ خارجَ العَتَبَاتِ لَكِنْ إن أرادَ دخولَها فَعَلَيهِ أن يَرْضَى بحُكْمِ نوافذِ الرَّحمنْ في القدس مدرسةٌ لمملوكٍ أتى مما وراءَ النهرِ، باعوهُ بسوقِ نِخَاسَةٍ في إصفهانَ لتاجرٍ من أهلِ بغدادٍ أتى حلباً فخافَ أميرُها من زُرْقَةٍ في عَيْنِهِ اليُسْرَى، فأعطاهُ لقافلةٍ أتت مصراً، فأصبحَ بعدَ بضعِ سنينَ غَلاَّبَ المغولِ وصاحبَ السلطانْ في القدس رائحةٌ تُلَخِّصُ بابلاً والهندَ في دكانِ عطارٍ بخانِ الزيتْ واللهِ رائحةٌ لها لغةٌ سَتَفْهَمُها إذا أصْغَيتْ وتقولُ لي إذ يطلقونَ قنابل الغاز المسيِّلِ للدموعِ عَلَيَّ: "لا تحفل بهم" وتفوحُ من بعدِ انحسارِ الغازِ، وَهْيَ تقولُ لي: "أرأيتْ!" في القدس يرتاحُ التناقضُ، والعجائبُ ليسَ ينكرُها العِبادُ، كأنها قِطَعُ القِمَاشِ يُقَلِّبُونَ قَدِيمها وَجَدِيدَها، والمعجزاتُ هناكَ تُلْمَسُ باليَدَيْنْ في القدس لو صافحتَ شيخاً أو لمستَ بنايةً لَوَجَدْتَ منقوشاً على كَفَّيكَ نَصَّ قصيدَةٍ يابْنَ الكرامِ أو اثْنَتَيْنْ في القدس، رغمَ تتابعِ النَّكَباتِ، ريحُ براءةٍ في الجوِّ، ريحُ طُفُولَةٍ، فَتَرى الحمامَ يَطِيرُ يُعلِنُ دَوْلَةً في الريحِ بَيْنَ رَصَاصَتَيْنْ في القدس تنتظمُ القبورُ، كأنهنَّ سطورُ تاريخِ المدينةِ والكتابُ ترابُها الكل مرُّوا من هُنا فالقدسُ تقبلُ من أتاها كافراً أو مؤمنا أُمرر بها واقرأ شواهدَها بكلِّ لغاتِ أهلِ الأرضِ فيها الزنجُ والإفرنجُ والقِفْجَاقُ والصِّقْلابُ والبُشْنَاقُ والتاتارُ والأتراكُ، أهلُ الله والهلاك، والفقراءُ والملاك، والفجارُ والنساكُ، فيها كلُّ من وطئَ الثَّرى كانوا الهوامشَ في الكتابِ فأصبحوا نَصَّ المدينةِ قبلنا يا كاتب التاريخِ ماذا جَدَّ فاستثنيتنا يا شيخُ فلتُعِدِ الكتابةَ والقراءةَ مرةً أخرى، أراك لَحَنْتْ العين تُغْمِضُ، ثمَّ تنظُرُ، سائقُ السيارةِ الصفراءِ، مالَ بنا شَمالاً نائياً عن بابها والقدس صارت خلفنا والعينُ تبصرُها بمرآةِ اليمينِ، تَغَيَّرَتْ ألوانُها في الشمسِ، مِنْ قبلِ الغيابْ إذ فاجَأَتْني بسمةٌ لم أدْرِ كيفَ تَسَلَّلَتْ للوَجْهِ قالت لي وقد أَمْعَنْتُ ما أَمْعنْتْ يا أيها الباكي وراءَ السورِ، أحمقُ أَنْتْ؟ أَجُنِنْتْ؟ لا تبكِ عينُكَ أيها المنسيُّ من متنِ الكتابْ لا تبكِ عينُكَ أيها العَرَبِيُّ واعلمْ أنَّهُ في القدسِ من في القدسِ لكنْ لا أَرَى في القدسِ إلا أَنْتْ
عبث - بالعامية الفلسطينية- عبث ختيارة تحمل كراتين تنكة زيت وسلة تين وشوية لحفة وبطاطين بين الأردن وفلسطين من عام السبعة و ستّين والختيارة كل يومين تقطع جسر الملك حسين ويشوف الجندي الهوية ويتطلع فيها شوية وتتطلع فيه شوية ومرت على هالحال سنين ولا هوه عرف مين هيه ولاهي عرفت هوه مين
المطار المطار ياْ صالات المطارِ مْشابِهةْ الأوطان شَعِب بالصوت والصورة وِشُرطَةْ وأجهِزِةْ وقضبان صبية لابسِةْ مْفرهد صبيةْ مْنقَّبِةْ بْأسود وما بيناتهم مقهىْ السَّفَر مَلْيَان طِفِل يبكي وِهُو يلعب طِفِل يلعب وِما يتعب طِفِل غفيان ثلاْثْ نسوان إشارات المرورِ وْجُوههن من كثرة الألوان وِعم يِتْناقَشِنْ في شي على جانب كبيرِ مْنِ الأهميِّة وإمِّ تْوَدِّعِ بْنَيها كأنَّ اْرواحُهُم قمصان مبلولِة ولافحها الهوا، ترجف، وِعن ما تحتها بِتْشِفّ وصوتَ اْختامْ بقوِّة يدقَّها الضابط كأنُّه دقّ في الإفرنج والرومان وضجِّة من طرب سُيَّاح أمريكان وَاْنا سايح على الوَرْقَةْ بْخُطوطي الزرقاْ عَمْ بَاْكتب وِ كل طعجِة حَرِف عندي أثر لابدِّ يتصوَّر وِ كل جُملِةْ ولَها بُنيان وِخادم جايب القهوِة أو السُكَّر لكلَّ الناس هذاْ مَطار إلا عند هالخادم وطن صار المطارُ وكم وطن أصلُه مطارٍ كان عَ أيَّةِ حال شِعِرنا طال وِبَعْدِ شْويِّة وِشْويَّة جميع الناس تتفرَّق على وجهاتها كَنْهُم قُرُص فَوَّار في المَيِّة وَاْنا رَاْح أبقىْ في الصالِة وَاْحُطِّ بْها علم وَاْقْعُد أنا لْحالي.
النادل النادل خادم أقدم في الفنادق للزباين كل شي: إم الرجيم أعطي لها كنافة وإم الخواتم في أصابعها الخمس أسكب عليها الشاي والسائق الهلكان أهيئ له تخت في المقعد الخلفي والشرطي أعطي له هدوم مخططة بالعرض والمعتقل أعطي له رتبة ع الكتف ونجوم وام العروس وبنتها اللي مضبطة الماكياج كنّ وجوههن من بوسلان أرمي عليهن منشفة وام العشر أطفال أهديها ثياب العرس واعطي رجلها موظف الديوان أرجيلة والطفلة أعطيها عرش أو صولجان وأصب للحاكم قناني من هوا وأشلحه الحق المقدس والقاتل اعطي له كفن واعطي القتيل اللي انغدر ساعة تشفي في العدى والشاعر المهمل هناك بأبعد الأركان فلت له مرحبتين واطلَّعت بعيونه حطيت قدامه المسدس
طمنوا ستي ام عطا طمنوا ستي ام عطا طمنوا ستي ام عطا بإنه القضـية من زمان المندوب وهي زي ما هيةلسـة بنفاصل القنـاصل علـيها زي ما بتفـاصلي ع الملوخـيةلكـن اطمـني وصـلنا معاهم بين ستة وستة ونص في الميـةبطلـع لهم يا ستي حيـفا ويـافا ولنا خرفيش وسيسـعة بـريةولنا دولة يحرسـها طير السـنونو يا ام عطا ولبسوه رتب عسكريةوالسنونـو إله نمو اقتصـادي والسنونـو إلـه خطط أمنـيةوالسنونـو عم ينبذ العنف ويعلن إلتزامـه الكـامل بالاتفــاقيةولنا برضه يا سـتي سجـادة حمرا تالسنونـو يأدي عليها التحـيةوالنـا قمة يدعـو إليها السنـونو يعقدوها في الجامـعة العربيـةحيـوا برج الحمام وحيوا حمامه من ملوك المحبـة والأخــويةيا حمـام البـروج ويا مواليـنا يا دوا الجـرح ويا شـفا البرديةيا شـداد الخطـر على أعـادينا وحبكو إلنا حب قيـس للعامريةراح أقول اللي قالوا طوقان قبلي أخو فدوى وبن الأصول الزكيةفي يـدينـا بقيـة من بـلادٍ فاستريحوا كي لا تضيــع البقية
يا كاتب التاريخ يا كاتب التاريخ يا كاتب التاريخ ما اهتزوا كفينك ما رمشت عينك يا كاتب التاريخ خبرني شو دينك يا كاتب التاريخ رحماك يا عمي عم تكتب بعتمة يبقى السطر تلطيخ وتحط له معنى وكيف القلم ما يدور بتقول عنها سطور إنت اللي بتعرف وانت اللي بتسمي الشخبطة كلمة والخرفنة مخرف يا سيد الحكمة يا حارس المتحف خذ لك إجازة شوي ما قمت عن مكتبك من يوم كانوا البشر خلطة تراب ومي يا شيخ شيبك ظهر وتطاولوا سنينك وقزاز نظارتك ظني انهرى تشريخ يا كاتب التاريخ شوف القلم وين رايح حبره من أعمار هيك القلم يبني دار وهيك يخرب دار يا عمي ركز بجاه المصطفى المختار من تحت راس القلم ما سمعت نوح النوايح أو أزيز النار من تحت سن القلم ماشفت بيت انهدم ما شفت ساري علم ماتوا عليه لصغار ما شفت قبة حرم تلمع عليها الشمس وطيور فوق الشجر تلمس غناها لمس صارت ملاعب ضباع مكللة بالغار شوف الجنايز طويلة والنعوش قصار صوت احتكاك القلم بالورقة ماله همس تحته شوارع طويلة من دخن وصريخ يا كاتب التاريخ يا شيخ شيبك وخط ما لقيت في شي غلط في ضجة الملكوت ما لقيت في شي غلط في همة التابوت نظم وقاد المسيرة وعنون الأخبار بيده كتبها وأذاع النشرة صورة وصوت ما لقيت في شي غلط ركض الطفل ع الموت يتقردن الجندي من فعله فيستأسد ما لقيت في شي غلط في شعب كامل جماعة يروح يستشهد يا شيخ شيبك وخط جاوب ع هذي فقط هذا الكتاب اللي واهب كل عمرك ليه واللي عم يموت شخص بكل كلمة فيه مين اللي راح يبقى حتي يقرؤه يا شيخ ويدفع الأجرة ويسدد عرابينك يا كاتب التاريخ خبرني شو دينك؟
قالوا لي بتحب مصر قلت مش عارف قالولي بتحب مصر فقلت مش عارف قالولي بتحب مصر فقلت مش عارف المعنى كعبة وانا بوفد الحروف طايف وألف مغزل قصايد في الإدين لافف قالولي بتحب مصر فقلت مش عارف أنا لما اشوف مصر ع الصفحة بكون خايف ما يجيش في بالي هرم ما يجيش في بالي نيل ما يجيش في بالي غيطان خضرا وشمس أصيل ولا جزوع فلاحين لو يعدلوها تميل حكم الليالي ياخدهم في الحصاد محاصيل بيلبسوهم فراعنة ساعة التمثيل وساعة الجد فيه سخرة وإسماعيل ما يجيش في بالي عرابي ونظرته في الخيل وسعد باشا وفريد وبقية التماثيل ولا ام كلثوم في خمسانها ولا المنديل الصبح في التاكسي صوتها مبوظه التسجيل ما يجيش في بالي العبور وسفارة اسرائيل ولا الحضارة اللي واجعة دماغنا جيل ورا جيل قالولي بتحب مصر أخدني صمت طويل وجت في بالي ابتسامة وانتهت بعويل قالولي بتحب مصر فقلت مش عارف لكني عارف بإني إبن رضوى عاشور أمي اللتي حملها ما ينحسب بشهور الحب في قلبها والحرب خيط مضفور تصبر على الشمس تبرد والنجوم تدفى ولو تسابق زمنها تسبقه ويحفى تكتب في كار الأمومة م الكتب ألفين طفلة تحمي الغزالة وتطعم العصفور وتزنب الدهر لو يغلط بنظرة عين وبنظرة أو طبطبة ترضى عليه فيدور وأمي حافظة شوارع مصر بالسنتي تقول لمصر يا حاجة ترد يابنتي تقولها احكي لي فتقول ابدأي إنتي وأمي حافظة السِيَر أصل السِيَر كارها تكتب بحبر الليالي تقوم تنوَّرها وتقول يا حاجة إذا ما فْرِحتي وحزِنتي وفين ما كنتي أسجل ما أرى للناس تفضل رسايل غرام للي يقدَّرها أمي وأبويا التقوا والحرّ للحُرَّة شاعر من الضفة برغوثي وإسمه مريد قالولها ده أجنبي، ما يجوزش بالمرَّة قالت لهم ياالعبيد اللي ملوكها عبيد من إمتى كانت رام الله من بلاد برَّة يا ناس يا أهل البلد شارياه وشاريني من يعترض ع المحبة لما ربي يريد كان الجواب إن واحد سافر اسرائيل وانا أبويا قالوله يللا ع الترحيل دلوقت جه دوري لاجل بلادي تنفيني وتشيب أمي في عشرينها وعشريني يا أهل مصر قولولي بس كام مرة ها تعاقِبوها على حُبَّ الفلسطيني قالولي بتحب مصر فقلت مش عارف بحب أقعد علىالقهوة بدون أشغال شيشة وزبادي ومناقشة في مآل الحال وبصبصة ع البنات اللي قوامهم عال لكن وشوشهم عماير هدها زلزال بحب لمعي وعب هادي ومحب جمال أروح لهم عربية خابطة في تروللي كإنها ورقِة مِسوِدَّة مرميَّة جُوَّاها متشخبطة ومتكرمشة هِيَّة أو شلِّةِ الصوف، أو عقدة حِسابِيَّة سبعين مهندس ولا يقدر على حَلِّي فيجيبوا كل مَفَكَّاتهم وصواميلهم ويجربو كل ألاعيبهم وتحاييلهم حتى ساعات يغلطوا ويجربوا فِيَّا بس الأكيد أنهم بيحاولوا في مشاكلي وإنها دايماً اهون من مشاكلهم أحب اقعد على القهوة مع القاعدين وابص في وشوش بشر مش مخلوقين من طين واحد كإنه تحتمس، يشرب القرفة والتاني غلبان يلف اللقمة في الجرانين والتالتة من بَلَكُونِتها تنادي الواد والواد بيلعب وغالبهم ثلاثة اتنين أتوبيس كإنه كوساية محشي بني آدمين أقول بحكم القاموس، إن الهواء جماد واشم ريحة شياط، بس اللي شايفه رماد عكازة الشيخ منين نابت عليها زناد يسند على الناس ويعرج من شمال ليمين والراديو جايب خبر م القدس أو بغداد قالولي بتحب مصر فقلت مش عارف لا جيتها سايح ولا ني أعمى مش شايف ريحة البخور في الغورية وألف حبل غسيل وأيقونات تبكي لما تسمع التراتيل كإن فيه حد يسقي كل لون فيها تطرح سماحة على مر السنين وجمال بيت السحيمي صدى للشاعر للقوال خناقة فيها الزناتي يواجه ابن هلال وان حلوة مرت وبانو شعرتين م الشال الجوز يكونوا حجج للوصف في عنيها ريحة البخور في الغورية ومية في الشارع محل بيبع عصير بانيه المؤيد شيخ صاحب محل وصبيه يهرو بعض صريخ وفرقة بتقول موشح يا سقاة الراح مدنة عليها المؤدن بالعنا طالع لكن أدانه يعدي من السما مرتاح والمدنة في مسجد الحاكم بأمر الله كإنها من زمانه واقفة تستناه سيرته غريبة الراجل ده يفهموها قليل حاكم وقالها بصراحة: أظن إني إله جاب جوهر الحكم يا خواننا وفهم معناه وكل حاكم بيقولها في سره لما ينام يقولها لمراته وابنه وحتى أمنه الخاص لكني أشهد بأنه أشجع الحكام ذاعها على الناس صراحة والأئمة معاه يا أهل مصر أنا من اليوم إله وإمام شجاع ومؤمن بنفسه بس مسه الخوف شافوه وإيده بترعش والعرق بيسيل بصو بمحبة وقالوله طب يا عم خلاص وأيِّدوه قصة تانية ف دفتر القصاص ما كل حاكم كده بس العتب ع الشوف وباب زويلة بيحوى من الكلاب أصناف وباب زويلة عليه يتعلقوا الأشراف وناس عبيد ناس وناس لؤلؤ بلا أصداف بيوت قصايد وخانقاها بيوت الخلق يا مصر ابنك في بطنك بس خانقاة خنق وكل شاعر يطبطب له ويقول قرب وراح صلاح وفؤاد والتونسي متغرب لحد ما الحمل أصبح شغلة البطال وكل شاعر عويل تلقيه في حملك قال يا مصر بطنك بتكذب والا حملك حق أحنا تعبنا ومافيش أشعار عشان نكتب إبنك يا يجي يا تبقى الدنيا عايزة الحرق قالولي بتحب مصر فقلت مش عارف قطر الندى قاعدة بتبيع فجل بالحزمة أميرة عازز عليها تشحت اللقمة عريانة ما سترها الا الضل والضلمة والشعر الابيض يزيد حرمة على حرمة والقلب قايد مداين زي فرشة نور والفرشة واكلاها عتة والمداين بور اللي يشوفها يقول صادقة حكاوي الجن واللي يشوفها يقول كل الحقايق زور عزيزة القوم عزيزة تشتغل في بيوت عشر سنين عمرها لكن حلال ع الموت صبية تمشي تقع ويقولو حكم السن وستها شعرها أصفر وكله بُكَل كإنها مربية فيه اربعين كتكوت ووشها زي وش الحاكم العربي كإن خالقها راسمها على نَبُّوت تحكم وقطر الندى تسمع لها وتئن أصل البعيدة وَلِيِّة أمرها، عجبي على الهوا بحجة الكسوة يقيموا له سور أحكي يا قطر الندى والا ما لوش لازمة حكاية ابن الأصول تفضل معاه لازمة فيه ناس بتلدغ وناس ليها البكا لازمة ياللي سطلت الخليفة بجوز عينين وشعور كنت سما للأغاني والأغاني طيور مين اللي باعك، عدوك، بعض أولادك مين اللي كانوا عبيدك صاروا أسيادك مين اللي سمى السلاسل في إديك دِبَل مين اللي خط الكتاب مين كانوا أشهادك وازاي متى سألوكي "هل قَبِلتِ بِهِ" سِكِتِّ ومشيتِ يا مولاتي في الزفة لبنان وغزة وعراق فيها العدو تشفَّى حطوا جثثنا يا حاجة تحت سجادك ووقفت تستنى خيط الدم يبقى بحور قالولي بتحب مصر فقلت مش عارف لا جيتها سايح ولاني أعمي مش شايف شفت ام هاشم بترمي حجارة في الأزهر وشفت اخوها الحسين وابنه على الأكبر والقاسم بن الحسن نوارة العسكر له أربعة وعشرة في السن مش أكتر وشفت مولانا عباس ابن سيدنا علي ماشي وجايب معاه القربة والراية شاف اخته وولاد اخوه في الحرب عطشانين والصهد خلى المطر جوة الغمامه غلي حارب لحد الفرات وحده وملا القربة قام العدى قطعوا كفوفه شمال ويمين ومات في شط الفرات بين أهله وف غربة من طيب ترابهم شواشي النخل تتعطر وكل أهل العراق من ده التراب نابتين يسقو العطاشى لكين بين اهلهم غربا لوحدهم في الملمة وأهلهم ملايين يا مراجع التواريخ يا مدرس الثنوي المجزرة ف كربلا كت ليلة والا سنين قوللي وإمتى وفاة آخر أمير أموي وكل بيت في العراق من يومها بيت نبوي وكل أهل العراق صاروا حسن وحسين إتوضوا يا زايرين أصل العراق مصحف مصحف وكل بني آدم هناك آية أتوضو داللي على القرآن ما يتعرف كافر لأن الصلاة لازم لها قراية أتوض يا زايرين واتباركو بالأعتاب ده كل حتة حجر من خلفها حكاية دول اللي خلو اللغة فوق الحيطان لبلاب منقوشة فوق الجوامع كل مبنى كتاب شاعر رسم إسم محبوبته على المحراب وشيخ في مدرسته ونجوم السما طلاب أتوضو يا زايرين ده الخير في عتباته ده راعي يرعى القصايد تحت نخلاته ده المبتدأ والخبر متربيين عنده بعد السفر في الكتب ييجوا هنا يباتو يا مهر لا في جمال قده ولا ف عنده في الحسن والحزن دايماً بالغ الغاية والدهر طول عمره عاجز يعلى صهواته وزينب الحرة حاضنه المهر بعباية وشفتها جاية ترمي حجارة في الأزهر وشفت اخوها الحسين وابنه علي الأكبر وشوش في وسط المظاهرة أو صور بتفوت يا إما همه يا إما ناس شبههم موت والله والله كانو بيهتفوا معايا إما ضحايا قنابل أو ضحايا سكوت ومصر "واإسلاماه" محصورة في السينما وكل "واإسلاماه" ما فيهاشي غير مظهر الفرجة بالعدسات والعسكر الشنبر حكام معاهم في كار الكلبشة علما وعسكري الأمن تحت الدرع متبعتر حيران وخايف وجاي من البلد أخضر محبوس مابين السما والأرض والظابط عاطيينه درع وعصاية ولبس مش ظابط والخوذة مايلة وعلى راسه المقاس واسع حاطينة في العلبة والظابط عليه رابط عايزينة عفريت يخض الخلق في الشارع وزي كل عفاريت العلب همه لو يوم يفط يلاقي الناس ولا اهتموا وفضلوا ماشيين لقدام هوه ها يروح فين لا هوه كان لبسو عادي يتوه مع الماشيين ولا هو ضابط مربرب شركسي وأشقر أبص في عنيه الاقي ميت ولد تايهين أحس لو بص لي إني لقيت صاحب ويهرَّب البسمة تحت الخوذة ويحاسب ضابط يشوفه يخلي له النهار أغبر ويقول له إضرب فيضرب قبل ما يفكر لأنه عارف إذا فكر، ها يتديَّر شفت ام هاشم بترمي حجارة في الأزهر مش أجنبية ام هاشم والا انا غلطان متروحوا برضه نقولو لها تمشي هيه كمان دي كانت اكبر محرض ضد الامريكان الناس تشوفها يفارق عقلها الميزان وشوهدت ويا غيرها بتشتم السلطان وتسب كل جبان ويَّا العدى يحالف مش أجنبية ام هاشم والا انا غلطان وقام ولد مصري يضربها بعصا خرزان فقام ولد مصري يغسل وشها النازف قالو لي بتحب مصر فقلت مش عارف لا جيتها سايح ولاني أعمى مش شايف ميدان في وسط البلد واسمه ميدان تحرير كاتب يحرر سجلات البلد تحرير من يوم ما كان اسمه ميدان الاسماعيلية لحد غزو العراق في عهد بوش وبلير كان هو والأوبرا أوقاف أوروبية ملك فرنسا الفقيه كان ناظر الأوقاف ساعات وساعات خواجات انجليزية جايين كما الجن لما عدمت الحاوي منهم غني وفقير من كل جنسية لكن في حكم الحصانة الكل متساوي خمار ومن خدامينه الوالي والسلطان ويمر بين البرانيط التاريخ غلبان ولية ما لها ولي بطرحة وجلابية شغلتها غسالة من قبل الزمان بزمان من قعدة الطشت دايماً تمشي محنية طالب يساعدها تقطع زحمة الميدان وعسكري يهب فيها انجرَّي يا ولية تغسل قميص الولد بالعطر والمية ولكل من هب فيها تغسل الأكفان ميدان في وسط البلد إسمه ميدان تحرير كاتب يحرر سجلات البلد تحرير المتحف المصري مبني بموضة نمساوي كالبوكس فيه الفراعنة محشرين تحشير ومكلبشين فيه سنفرو مع نفرتيتي وزوسر المفتري وباني الهرم خوفو يحرك الشمس ويوقفها بظروفه لو يبنوا مرة هرم ويكون ما هوش عاجبه يقوللهم مش قوي، إبنوا هرم جنبه وأخناتون الرومانسي الحالم الغاوي نقش المعابد ما يعجبشي يقوم قالبه وكل نقاش بياكله ع الجمال قلبه واللي جه بعده مسح كل اللي كان كاتبه واللي شباشبه دهب واللي مماسحه حرير وللي تشوف غرفته، تطلع يا عم سرير واللي شعوب المشارق كت تيجيه طوابير واللي يقول أصل نور الشمس من زيتي واللي يقول القمر كان تحفة في بيتي أستغفر الله إلهي صاحب التدبير يا ملوك كإنك ولا رحتي ولا جيتي يا عيني يقفل عليكم كل ليلة غفير يا رب باقي الفراعنة يفهموا التحذير ميدان في وسط البلد إسمه ميدان تحرير كاتب يحرر سجلات البلد تحرير فيه المجمع كإنه وهو مبني هدد شتيمة مبنية في وسط البلد يا بلد لكنه باب رزق برضه موظفينه كتير لو طاح في وسط الميدان ياكل في أهله أسد وكل زاوية اتملت ما بين صريخ وزئير ما لهمش دعوة بحاجة بس كتر عدد طرش إرادي بيمنع شر كل أمير وهيلتون النيل تخشه بتذكرة وتأشير والهيلتون التاني لونه يكئب العصافير طويل وكبة كإنه في المباني جعير والجامعة العربية زي جرن شعير علمها وحداني بين الإعلانات وأسير إعلان عن الهم لما كتمه يبقى عسير من يشتري همنا يا شيالين وبكام ده هم غالي وشرف عالي قوي ومقام ده كل شاشة يلفوها على المجروح وكل ساعة قلق عالولد لما يروح حتى الهزيمة ياناس فيها جلالة روح يغلا علينا تاريخنا حتى لو مدبوح ده همنا غالي لكن رخصوه الحكام مين يشتري همنا يا شيالين وبكام ميدان في وسط البلد واسمه ميدان تحرير كاتب يحرر سجلات البلد تحرير في كل أزمة يجيب الأمن ألف طابور وبالعساكر وبالبوكسات يقيموا سور طب ليه ما طول عمره من غير أمن متحاصر كل المباني دي بوكسات والأسامي زور لكن، ورغم الحصار الماضي والحاضر دايماً ها يفضل أمل دنقل هنا حاضر يوم الخميس يوم بداية القصف في بغداد فارت قدورنا بما فيها ولهبها زاد الموت عروسة وخطابها عليها حراص يا عسكر اضرب ويتسحسن بقى برصاص زهقنا نبقي صفايح والزمن حداد ما عدش فيه عذر يفضل حد عايش عاد وان عيشنا وان متنا تبقى من الله فضلة خير وصلوا من الجامعة للميدان بضرب وطحن طلاب فراودة سقت مر الكاسات للأمن ومرة من نفسه أصبح في الميدان تحرير الشَّعر الابيض مشاعل نورها في الليل قاد والشَّعر لاسود بيتعلم شغب أهله وكل من كانو قبله في المشاغبة شداد وكل شيخ قال شريط الذكريات كله إللي حكى عن جنازة ربها ناصر دول ستة مليون بيبكوا عالجمال الحر ويقول بقت كل عطفة فمصر من بني مر واللي حكى عن شيوعيين سنة سبعين والاعتصام ليومين والأعتقال في الفجر بيرموا م البوكس أوراق فيها إصحي يامصر واللي على كل هم المسلمين أمنا في كل ضربة عصاية يكسبوا حسنة وفي الشجاعة النفر منهم بقى بملايين أما أنا فأنا مش في السياسة متين أطلع أنا والا أنزل خلقتي شاعر لو قلت لي عيد قصصهم هابقى مش فاكر تروح معارضة وحكومة وكل دول يمشوا يكونوا ناس واعية أو ناس هبلة وانغشوا تهشهم هجمة العسكر فينهشوا أو يبعتوا للعساكر أكل يتعشوا أو يقلبوها حروب وتسيل دماها بحور مش ها بقى فاكر لكن فاكر في أخر اليوم الضرب خلا الميدان دوامة بينا تدور والناس بتجري ووراها العسكري بالشوم بصيت أنا من وراكتفي وانا مذعور لقيت في وسط الميدان لسه أمل واقف قالولي بتحب مصر فقلت مش عارف لاجيتها سايح ولا ني أعمى مش شايف بلد علمها انمزع والرفا في المساجين ومهر مربوط في كارو وباله في البساتين وابو زيد سلامة على كرسي وكيس جلوكوز لجنة مشايخ تناقش فتوة الأراجوز سؤال نعيش أو نموت، فيه لا يجوز ويجوز لو السقوف خايخة نسندها بحجارة وطوب لكن ده لوح القزاز كله ضرب تشريخ لو الولد حَرَّفِ الآية، ها يبقى يتوب بس المصيبة إذا الآية اخترعها الشيخ والناس شكاير صريخ رابطين عليها سكوت آهات سكوتة كإن الأرض مسشتفى مطرودة منها الدكاترة ف سجن أو منفى والنا س بتسأل هنصبر والا نتوفى فيه ناس تقول زي بعضه دول نوعين م الصبر وناس تقول زي بعضه دول نوعين م الموت يا مصر بعض التسامح ده خطيئة بأجر إفتكري "لا تحسبن" مكتوبة فوق كام قبر والتار يبات، يصحى تاني لو يشيب الدهر والتار حصان غير لصاحبه ما يِلَيِّن ضهر والتار ده تار العرب وعشان كده تار مصر يا مصر كومة حروف، إِبَرِ المعاني فين إِبَر بتجرح إيدينا قبل ما بتبان نِسْرِك في بال السما بيقول حدودها منين نسرك بياكله الصدا في بدلة السجان يا مصر يا كل ضد وضد مجتمعين يا قلعة السجن يا قلعة صلاح الدين أنا بقولك وأهلي ع الكلام شاهدين لو كنت حرة ما كناش نبقى محتلين قالولي بتحب مصر فقلت مش عارف لا جيتها سايح ولا ني أعمى مش شايف ولاني هايف ارد بخفة وبسرعة وكل من رد يا كذاب يا هايف أصل المحبة بسيطة ومصر تركيبة ومصر حلوة ومُرَّة وشرحة وكئيبة دا نا اختصر منصب الشمس وأقول شمعة ولا اختصر مصر وانده مصر يا حبيبة يا أهل مصر اسمعوني واسمعو الباقيين أن كنت انا رحلوني كلنا راحلين يا أهل مصر يا أصحابي يا نور العين يا شنطة المدرسة يا دفتر العناوين يا ضغطة البنت بالكراسة ع النهدين ترقص قصاد المراية، واحنا مش شايفين يا صحن سلطان حسن يا صحن تمر وتين يا ألف مدنا وجرس، لألف ملة ودين يا أهل مصر اسمعوني، والكلام أمانات قلتوالي بتحب مصر فقلت مش عارف روحوا اسألوا مصر هيه عندها الإجابات
في العالم العربي تعيش في العالم العربي تعيش في العالم العربي تعيش كما قط ساكن تحت عربية عينيه ما تشوفش م الدنيا دي حاجة الا الجزم في العالم العربي تعيش كما بهلوان السيرك تحتك بهلوان دايس عليه وفوق دماغك بهلوان دايس عليك والكل واقف محترم في العالم العربي تعيش، مباراة بقى لها ألف عام لعيبة تجري يمين شمال والكورة طول الوقت في إدين الحكم في العالم العربي، تقول للبنت حبيتك وتبقى البنت بتحبك، وبتموت فيك تناولك بالألم في العالم العربي تعيش تشتم في طعم المية والطعمية والقهوة وروادها وفى مراتك وأولادها وحر وزحمة الأتوبيس وفي اللي بيعمله إبليس، وفي التفليس ولو سألوك تقول الحمد لله ربنا يديمها نعم في العالم العربي تعيش، كما دمعة في عيون الكريم المحنة تطردها يرجعها الكرم في العالم العربي تعيش تلميذ في حوش المدرسة من غير فطار عينه على الشارع وبيحيي العلم في العالم العربي تعيش، بتبص في الساعة وخايف نشرة الأخبار تفوت علشان تشوف ع الشاشة ناس في العالم العربي تموت
يا قصيدة ارمي حبالك وانشليني يا قصيدة ارمي حبالك وانشليني يا قصيدةْ اْرمي حبالك وانشليني يا حمامةْ بيضاْ فوق جناْحاتْها عالجنبينْ هلالَ اْحمرْ وشايلة حبال تِلِفّ الكوكب البشري كإنه خُضار من البلكونة بتشِدُّه وبياع الخضار ماسك ف إيده صَكَّ واهْبَة فيه حياتها ليهْ تمن للأرض والخلق اللي فيها تْشِدِّ في سَبَتِ الخضار ويشدِّ فيهْ إرميه بدال ما يشدَّكِ البياع لِعَنْدُه كبَّري مخك سيبيهْ واوعي، تسيبيني يا قصيدة ارمي حبالك وانشليني وانشليني زي نَشَّال المواصلة الزحمة، بالكلمة أو البسمة، ولاغي الدنيا والهيها وسهيها وخديني من جيوبها الورانية الضيقة الضلمة وحطيني ف إيديك واجري في أول محطة وطيري بيا في الشوارع واضحكي لما الأمم تلهث وراكي بس خليني معاكي واحفظيني يا قصيدة ارمي حبالك وانشليني وانشليني من بحور مش هايجة خالص، من بحور أسمنت أو من جَوَّ مِتْحَنَّطْ، مَاكِتَّ نْجُومُه مِتْفَنَّطْ كما الدومينو وزهر الطاولة، غرقان، مش بقى في شبر مية زي ما بيقولوا، إنما غرقان في تفل الشاي في نقطة مية نازلة من مكيف في قفا موظف بكرش اصلع بيحمد ربنا برضه فِ دمعة عينيْ من ثلاثين سنة فْ عيني، بقى وصولها لخدي معضلة عايزالها تسعين دولة ومعونة ومجلس أمن، غرقانْ يا قصيدة في سكوتي وفي كلامي، في حروبي مع زُرار كُمِّي وسلامي عللي نفسي يموت ببطء قوي أمامي مال ميزاني يا قصيدة فاوزنيني يا قصيدة ارمي حبالك وانشليني وانشليني، هاقلب التاريخ كإنه ساعة رملية واصيح: شيلي هلالكْ واتبعيني أصلُه في الأيام ديْ باتوا بيصلبوا الناس عَ الأهلة، تكنولوجيا! والبني آدم كمان بَقَىْ جسمه ممكن يِتْعِوِجْ أسهل كإنه جنين، إذا ثَبِّتُّه يبقى هْلال، وَاْنَاْ يا قصيدة راضي إنيْ أموت على هْلالِكْ على القفلة في موَّالِكْ على بسمِةْ مُجامْلَة لو سألت ازَّيَّ أحوالِكْ وأرضيْ أموت، بلا قافية، عشان العيشة زي الخمسة صاغ شغلتها بس ترخص الهرم اللي منقوش فوقها، يا صرَّاف يا متحنتف با قول لك إيه بقى، ماتخليهالك، مش عايزها، ويا قصيدة لولا إني مِسْتَعَرَّ من الحياةْ كنتَ ادِّيْهالِكْ والنَّبي شيلي هلالك واتبعيني أو تكوني انتي هلالي واتبعِكْ يا عاليةْ جداً في السما وبتغمزيلي أَوَقَّعِكْ تعبان انا المرَّة ديْ وحياتِكْ يا غالْية وقَّعيني يا قصيدة وارفعيني أرفَعِكْ راضي أموت لكن مَعِكْ وان كنت يا عالية بَاخَرَّف في الكلامْ، صبرِكْ عَلَيَّا واسْمَعِيني يا قصيدة اسْتَحمِليني ياقصيدة ارمي حبالك وانشليني واذكري مرَّة جَمَايْلي يا قصيدة ولما اموت، هاتي قَدُوم سِنُّه رقيق، وبحق ما كَتَبْتِكْ بذمَّة ابقي سَمِّي يا قصيدة واكتبيني...
والله في شيء عبقري والله في شيء عبقري والله في شيء عبقري في اللي احنا فيه في شيخ بينسى كل يوم مفتاحه جوا شقته ويطلع عمارة غير عمارته ويكسر الباب يضربوه البوابين واخر المتمة يرمي مفتاحه وْ يجيب نبوت والله فيه شيئ عبقري في المزبلة المتكررة في كل شارع زي إمضا البنك فوق البنكنوت والله فيه شيء عبقري في منظر الستات من غير حجاب قبل الجواز ومن الخطوبة محجبات كموظفات مبنى المجمع فكرة واحدة وتنويعات الوش فيه فائض ملامح نصها موجودة فيه والنص عايش في الشتات تلقى صوابعهم بلح أصفر تخين منظر ولون القلابات والله في شيئ عبقري في نسيم من الأسمنت شايل يافطة ضخمة عليها ختم الدولة بتقول "ده نسيم" وان كان عاجبكو يا أهل مصر وأهل مصر مسلَّمين ما هولحكامنا لو مسلمناشِ حانسلم لمين والله في شيء عبقري في شكل الشباب فائض رجولة عفنت من قلة استعمالها لا في الحرب لا في الحب لا في الجد لا في المسخرة والقهوة ملجأ للحديث في الجنس والدين والسياسة وكل واحد وش صاحبه يقول له لأ فيه لسة أتعس منك اطمن جحا متحامي في بيته أبو المرايات والله في شيئ عبقري في جيش بيتجند له جيل ورا جيل قادر يحارب كل حاجة إلا إسرائيل منصورة يا بلدي على قبرص بإذن الله ليه العساكر تبقى بس مراسلة ما تخلوا سلاح الدبابات برضه يجيب ويودي في المراسيل وفي عرض ستة أكتوبر ابقوا حطوا ما بين كل دبابة ودبابة عدد مطبخ وطشت غسيل والله في شيء عبقري في المدرسة ثمانين ولد سردين علب قاعدين لابسين ملابس لا على التعيين وكإنه سجن وكل واحد جي له تعليمه مع التعيين زايدين على حاجة البلد أما اللي بالي بالك فمش زايدين والله في شيئ عبقري في المسخرة دى اللي اسمها بلدي في إنتحار مصر الجماعي والبطيء هانروح في داهية كلنا وْدي العبقرية خلِّيها لكو ألف مبروك ميت سنة يا ملوك والله من قلبي بقول مبروك بعض الجوايز تشبه العقوبات والله في شي عبقري ف حرق الأراضي بنار كده جوة البيوت بتبات سهتانة مالهاش صوت والله في شيء عبقري في العبد يفرس سيده لما ببساطة يموت
مقالات - أمريكا هي هي أمريكا هي هي سفينة إمبراطورية بريطانية من القرن الثامن عشر ترسو بمحاذاة بارجة حديثة من سلاح البحرية الأمريكي في مرفأ المدينة، علم القوة العظمى ذو اللونين ثبتت ساريته القصيرة في حذاء، الحذاء معروض في واجهة دكان ، الواجهة عليها شارة تقول: "تخفيضات مذهلة"، إعلانات في التلفاز تقول:"اشتر (علبة الحرية)، اطلب ثلاثة أعلام واحصل على الرابع مجاناً، كما أنك ستحصل على قاعدة تمكنك من تثبيت الأعلام على سيارتك، لا تفوت الفرصة، اشتر (علبة الحرية)، بأربعة عشر دولاراً وتسعة وتسعين سنتاً فقط"! أستاذ مناهج البحث في العلوم السياسية يقاطعني لدى ذكري حرب الأيام الستة قائلاً :"دعنا من التفاصيل"، صبية تصدق أنني أمير في دولة اسمها إفريقيا، أمتلك مزرعة للتماسيح، أربيها للحومها وجلودها ثم أستخدمها وسيلة للمواصلات بين مستنقعات العاصمة، طالبة فلسفة من ألمانيا تفسر المظاهرات في شوارعنا من الرباط إلى طهران :" مشكلتكم هي الغيرة التاريخية، فشلتم حضارياً، فشل إسلامكم وفشلت عروبتكم وأنتم عاجزون عن تقبل هذه الحقيقة المرة، أذكر لي فكرة واحدة مفيدة خرجت من عندكم في القرون الخمسة الأخيرة..."، أستاذتها تنصحني: "دعوا ما أنتم عليه، قد تقنعوننا أنكم مظلومون، ولكن من قال إن العدل من صفة التاريخ. ظُلمتم؟ حسناً، تصالحوا مع هذه الحقيقة، إن العدل الذي تطلبونه هو انتحارٌ لعدوكم، ولا أحد ينتحر إحقاقاً للحق , إذا بقيتم على عنادكم ستستمرون في الموت وسنستمر في قتلكم. تصالحوا مع هزيمتكم"! ابتسم، أنت في الولايات المتحدة الأمريكية...! ***ذهبت في أغسطس من العام الماضي إلى مدينة بوسطن الواقعة في الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية لمتابعة دراساتي العليا في العلوم السياسة في جامعتها. وكما هو الحال في أية جامعة فإن عملية التعلم الحقيقية تكون خارج قاعة الدرس. أنا لم أر أمريكا، حيث أنني لم أخرج من مدينتي بوسطن ونيويورك، ولكنني رأيت معظم الأكاديميا الأمريكية وهذه تريك الكثير. بوسطن مدينة تقع فيها وحولها تسع عشرة جامعة بينها أكبر الجامعات الأمريكية وأقدمها وأكثرها نفوذاً مثل هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.هذه الجامعات مركز جذب للطلاب من كافة أنحاء الولايات المتحدة، وكما أن طلاب جامعة القاهرة عينة دالة على مختلف فئات المجتمع المصري، فإن الطلاب في جامعات بوسطن ونيويورك عينة دالة على معظم فئات المجتمع الأمريكي. وبينما تجذب هذه الجامعات عامة الطلاب فإنها تجذب خاصة الأساتذة، أي أشهرهم وأكثرهم نفوذاً من هنتنغتون وفوكوياما وبرنارد لويس، إلى تشومسكي وزين وإدوارد سعيد. ويتنقل الأساتذة من جامعة إلى أخرى فيدرسون لمدة فصل دراسي في جامعة ما ثم يدرسون الفصل الآخر في جامعة سواها، ولا يخلو أسبوع من ندوة أو لقاء أو مؤتمر يعقد في هذه الجامعة أو تلك من قبل هذا التيار الفكري أو ذاك. ودراسة العلوم السياسية في أمريكا تختلف عن الدراسات الأخرى، فالأساتذة الجامعيون هم أنفسهم جزء من آلة صنع القرار، يكون الرجل ضابطاً في الجيش أو في المخابرات أو في وزارة الخارجية أو في مجلس الأمن القومي لعشرين سنة ثم يقرر أن يكمل دراساته العليا ويعمل في الجامعة دون أن تنقطع علاقاته بأروقة واشنطن. وأساتذة الجامعة هم أيضاً العاملون في مراكز الأبحاث، ومراكز الأبحاث هذه هي التي تعد تقارير ودراسات جدوى تبنى عليها السياسات الأمريكية. باختصار دراسة السياسة في أمريكا هي دراسة لسياسة أمريكا وساستها، فهنتنغتون كان مستشاراُ رئاسياُ أيام حرب فيتنام، وكيسنغر أستاذ في الجامعة حتى اليوم. كان لا بد من هذه المقدمة لأدلِّلَ على أن الأحكام التي سأوردها في هذا المقال ليست وليدة مشاهدات اعتباطية من هنا أو هناك، لقد رأيت بعيني وسمعت بأذني جزءاً هاما من عقل ما نظنه القوة العظمى، وقد شهدت أمريكا في أسوأ وقت يشهدها العربي فيه، بدأ العام الدراسي بحرب وانتهى بحرب. وظني أنه لا فائدة من محاولة مخاطبة الولايات المتحدة أو إقناعها بأي شيء. لقد أكثر مفكرونا ومثقفونا وسياسيونا الرهان على محاورة الغرب والتأثير الإعلامي فيه وشرح عدالة قضايانا له وكأن التناقض بين الأمتين ناتج عن سوء تفاهم تاريخي أو تشوش في وسائل الاتصال. إن الاعتقاد الذي رسخ عندي مما رأيت وسمعت هو أن التناقض بيننا تناقض مصالح تقليدي بين غاز ومغزو، خصومة لا تتغير إلا بتبديل أحد الخصمين أو كليهما لمصالحه وأولوياته، وإليكم حجتي على ما أقول: بعد الحرب، أية حرب، تقل ثقة المهزوم بما كان عليه من عقيدة ونظام وتزيد ثقة المنتصر بنفسه، وبقرب نهاية الحرب الباردة شك الشيوعيون من حكام العالم الثاني في الشيوعية حتى سقطوا وشك القوميون من حكام العالم الثالث في القومية حتى أسقطوها، وبقي الجميع مرتبكا بين الانحياز إلى ليبرالية المنتصرين أو إلى بدائل محلية للقومية والشيوعية والليبرالية معاً، كالانتماء للإسلام لدينا والهندوسية لدى الهنود والقبلية في كثير من بلدان إفريقيا. أما في الولايات المتحدة فزادت ثقة المنتصرين بما هم عليه من عقيدة أو عادة أو دين. ولا أعني بالدين هنا البروتستانتية أو الكاثوليكية، بل أعني نظرة للكون والإنسان سادت أوروبا منذ عصر النهضة ثم ترسخت في ما سمي بعصر التنوير وانتقلت إلى العالم الجديد. هذه النظرة تقضي بأن هناك حقيقة موضوعية مستقلة عن ذات طالبها، وأن العقل قادر على الوصول إليها. العقل قادر على اكتشاف قوانين الطبيعة المادية وهو أيضاً قادر على اكتشاف قوانينها الأخلاقية، والإنسان يعرَّف بالعقل، وهو على هذا مركز الكون .العقل إذن هنا يقوم بدور الإله في الأديان الأخرى، فشرعية أي قانون أخلاقي يحكم تصرفات الفرد في المجتمع مشتقة من اتساق ذلك القانون مع "العقل"، من كون ذلك القانون عقلانياً، بينما في الأديان الأخرى تستمد شرعية القانون أو العادة أو العرف من اتساقها مع إرادة الإله أياً كان. لم يفعل الغربيون إلا أنهم استبدلوا بمفهوم ميتافيزيقي هو مفهوم الإله، مفهوماً ميتافيزيقياً آخر هو مفهوم العقلانية أو البديهة ولكنهم لم يقروا بأن "العقل" هذا ميتافيزيقي كالإله. كلا المفهومين لا يمكن إدراكه بالحواس الخمس، ولا يمكن إثبات وجوده أو نفيه إلا بالإيمان. و"العقل" الذي أعطوه هذه الأولوية هو العقل الأوروبي، أي أن ما يراه الأوروبيون عقلانياً هو العقلاني على الإطلاق، فالحقيقة واحدة، و"العقل" معرَّف بقدرته على اكتشافها، فلا بد إذن أن يكون "العقل" واحداً، فلا يمكن أن يتعارض اكتشافان عقلانيان، فإن تعارضا فالأوروبي منهما هو العقلاني والآخر هو المختل. ما لا يراه قادة الغرب أن هذه المقولة نفسها لا يمكن إثباتها أو نفيها عقلياً كما أسلفت، لأن مفهوم العقل ذاته ميتافيزيقي، فالعقل قائم على تأسيس علاقات سببية، ومن المعروف أن العلاقة السببية غير موجودة وأن ما نسميه علاقة سببية هو ارتباط لم يخرق إلى الآن ولكن لا ضمان ألا يخرق لاحقاً، وأنت إذا سألت مؤمناً لماذا تحيا لقال هي إرادة الإله، وإذا سألت غربياً "عقلانيا" لقال إن حبه للحياة أمرٌ بديهي، ثم لا يستطيع أي منهما أن يريك الإله أو البديهة إلا أن تؤمن بهما إيماناً. إن لهذا الفرق مترتبات شديدة الخطورة في علاقات الغرب بسواه من الأمم. لأن الغربي إذا قال إن دينه، أي عاداته وتقاليده وقوانينه الاجتماعية، هي نتاج "العقل"، معطياً العقل منزلة الإله، ثم عرَّف الإنسان بالعقل، أصبح من لا يدين بدينه، أي من لا يقبل ما يسنه هو من قوانين اجتماعية، مخلوقاً غير عاقل، أي غير إنسان. إن الدين الأوروبي ينفي إذن إنسانية المختلف، بينما في الإسلام والمسيحية والهندوسية وكل الأديان الأخرى لا تُنفى إنسانية الكافر، بل إن إنسانية الكافر ضرورية لإثبات كفره، لأن الكافر لو لم يكن إنساناُ، لما كان مكلفاً ، ولما كان هناك محلٌ للكفر أو الإيمان. ومن ههنا جاء الفكر الاستعماري الأوروبي الذي ينفي إنسانية الآخر لأن الدين الغربي هذا لا يعترف بنسبية العقل ولا بميتافيزيقيته، فالذي يؤمن بتعدد الزوجات مثلاً، يأتي عملاً مخالفاً "للعقل"، لأن "العقل" ليس إلا ما اعتاده الأوروبيون، وهو على هذا من الأوباش، وكذلك من يلبس الريش على رأسه، أو يحرق موتاه، أو يفجر نفسه في حافلة إسرائيلية، كلهم غير عاقل، كلهم ليس إنساناً أو ليس إنساناً بما يكفي. وهناك طريقان للتعامل مع غير العاقل من المخلوقات، إما حماية النفس منه بالقوة العسكرية أو محاولة ترويضه و"تعقيله"، أي "أنسنته". ومن هنا جاءت ثنائية جيش الاحتلال والمدرسة التبشيرية في العصر الاستعماري القديم، أو "الوجود العسكري الدائم" والشركات المتعددة الجنسية في العصر الاستعماري الجديد. ويترتب على ذلك أيضاً أن الغربي المنتمي إلى التيار السائد في ثقافته يعتبر احتفاظك باختلافك عدواناً عليه. لأن إصرارك أن ما أنت عليه حق، يناقض اعتقاده بأحادية العقل، فكأنك حين تقول أنا على حق، تقول له في الوقت ذاته أنت على باطل.فالمصري مثلا لا يحس بالإهانة أو بأن عدواناً وقع عليه إذا علم أن بعض دول أوروبا وأمريكا تسمح بالدعارة أو تجارة المخدرات الخفيفة، إنما قصاراه أن يقول "لكم دينكم ولي دين" ثم يهز كتفيه، ولكن الأوروبي أو الأمريكي المنتميان إلى التيار السائد في ثقافتهما يشعران بالإهانة و بأن عدواناً يقع عليهما شخصياً إذا علما أن معظم الدول العربية تحلل تعدد الزوجات وتحرم الأمرين الآخرين، لا يستطيع الأوروبي أن يقول "لكم عقلكم ولي عقل" لأن العقل عنده واحد. ومن ذلك أيضاً عدم اعتراف الغربيين بالإعلان العربي والإفريقي لحقوق الإنسان، الحق عندهم واحد وهو ما يراه "العقل"، و"العقل" هو ما يراه الغربيون. إن هذه العقيدة تظهر في كلام الكل، من أستاذ الجامعة وضابط الجيش ورئيس الجمهورية إلى بائع الحلوى والبستاني وعامل النظافة والصبية في المرقص، تماماُ كما أن نظراء هؤلاء عندنا يقولون "إن شاء الله" و"الحمد لله" على اختلافهم. فمثلاً، بعد انهدام البرجين شهدت الجامعات الأمريكية سلسلة من الندوات والمحاضرات حول ما يجب على الولايات المتحدة فعله. وعقدت في جامعتي ندوة دعي إليها ثلاثة أساتذة جامعيين متخصصين في العلاقات الدولية، كلهم انتقل للتدريس في الجامعة بعد تقاعده من عمله الأصلي، فالأول مراسل سابق في محطة أيه بي سي، والثاني سفير سابق لأمريكا في بلدين عربيين إلى وقت قريب، وثالثهم جنرال سابق في البحرية الأمريكية كان قائداً للعمليات في أمريكا اللاتينية طيلة عقد السبعينيات من القرن العشرين. افتتح المراسل القول كما يلي: "يتساءل الناس حول أسباب كره العرب والمسلمين لنا (أي للأمريكان)، والجواب عندي (والكلام للمراسل) أن أسبابهم ليست سياسية بل ثقافية، إنهم لا يكرهوننا لظلم وقع منا عليهم أو لجرم اقترفناه بحقهم، بل يكرهوننا لأن ثقافتهم تناقض ثقافتنا، هي ثقافة ميتافيزيقية غيبية تناقض مفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ولما كنا نحن في الولايات المتحدة رعاة لهذه القيم وتجسيدا حياً لها بين الأمم كرهونا وعادونا وهاجمونا في سبتمبر" واستأنف قائلاً: "لا قضية للأفغان ضدنا، نحن سلحناهم وساندناهم ثم لم نعاقبهم على ما أتوه من انتهاكات لحقوق الإنسان بعد استقلالهم فلماذا تعادينا الطالبان، تماما كالفلسطينيين الذين بدءوا انتفاضتهم ضد إسرائيل في وقت كانت إسرائيل تقدم لهم تنازلات غير مسبوقة وصلت إلى إعطائهم 97 بالمائة من أراضيهم في كامب ديفيد" ثم ختم قائلاُ: "فعلى أمريكا إذن أن تضرب هذه الثقافة حيث وجدت، فقصف أفغانستان وحده غير كاف بل لا بد أن تستمر الحرب لتشمل إيران والعراق وسورية ولبنان، كما يجب أن تنهي أمريكا تحالفها مع السعودية ومصر". ثم تكلم السفير الحكيم ذو الأعوام الثمانين، قال:"إنني ألتمس من السيد المراسل ألا يسرع في التعميم، إن هناك من بين العرب قوما يؤمنون بالعلمانية والديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أنهم أضعف من أن يواجهوا الثقافة الظلامية التي تفضل الأستاذ المراسل بوصفها، وإن حكومات العالم العربي هي أقرب للولايات المتحدة من بدائلها في المعارضة، وعليه فأنا (والكلام للسفير) أؤيد ضربة عسكرية كبيرة لأفغانستان ولكن بالتنسيق مع حلفائنا هؤلاء، كما أرى لزاما علينا أن نساعد القوى الليبرالية ضد القوى الإسلامية" ثم استدرك قائلاُ: "هذا لا يعني أن نقلل من سندنا لإسرائيل، بل إن وضع مصالح حلفائنا العرب في الاعتبار يصب في أمن إسرائيل وعملية السلام". أما الجنرال فكان أصرح الثلاثة وأبلغهم قال: "أعرف كجنرال أن أية ضربة عسكرية لأفغانستان لن تقضي على الإرهاب وأن مردوداتها العسكرية والسياسية قد لا تكون كبيرة، إلا أنني أؤيد ضربة عسكرية ساحقة ماحقة لا لشيء إلا لأنها ستريح أعصابي"!! كان الجنرال يعني ما يقول، لم يكن ساخراً أو مازحاً، ومعني قوله أن الشعب الأمريكي يريد أن يرى دماً يسيل بعد أن تعرض لصدمة البرجين، وأنه بغض النظر عن كون المسلمين أوباشاً ميؤوساً منهم كما يقول المراسل أو أوباشاً يمكن علاجهم كما يقول السفير، فالضربة ضرورية لأسباب أمريكية داخلية خالصة. انتخب الشعب الأمريكي حكومته، فعلى حكومته إذن أن تريحه، فمتى أراد الشعب رؤية الدم وحطام المنازل كان على الحكومة أن تستجيب، هذا ما كان يعنيه الجنرال براحة الأعصاب. أما الاتجاهان اللذان عبر عنهما كل من المراسل والسفير فيتطابقان تماما مع ثنائية قتل الأوباش أو ترويضهم، ثنائية جيش الاحتلال والمدرسة التبشيرية. المراسل يتهم المسلمين كلهم بالجنون، فالثقافة الإسلامية عنده نوع من المرض النفسي أو العقلي الذي يؤدي بالناس إلى قتل أنفسهم. فموضوعا القدس واللاجئين الذين من أجلهما سقطت مفاوضات كامب ديفيد الثانية، هما موضوعان غير عقلانيين بالنسبة له. إن تعلق الناس بالقدس أمر ميتافيزيقي، ليست القدس ضرورة من ضرورات حياتهم الطبيعية، ألا يأكلون ويشربون بدون القدس؟ ألا يأكل اللاجئون ويشربون بدون العودة؟ ألا يعلم الجميع أنهم سيقتلون دون العودة ودون القدس؟ أليس عقلانياً أن يفضل المرء الحياة على الموت؟ ألا تقلب الثقافة العربية الإسلامية ذلك كله رأساً على عقب وتعرض الناس للموت لحساب مفاهيم لا مضمون مادياً لها كالكرامة وما شابهها؟ ألا يعلمون أنهم إذا سالموا إسرائيل وتخلوا عن هذا كله، وتبنوا سياسات اقتصادية منفتحة سينعمون بثمار الليبرالية الاقتصادية والحياة الجيدة؟ ألا تقلب الثقافة الإسلامية ذك كله رأساً على عقب؟ الثقافة الإسلامية إذن غير عقلانية والحل عنده هو ضرب هذه الثقافة واستئصالها. أما السفير، فيرى أن من الممكن تدريب المسلمين على ترك هذا الجنون، المشكلة عنده أن المسلمين لم يجربوا ثمار العقلانية بعد، فلو ساندت الولايات المتحدة معسكر السلام في العالم العربي وعم الرخاء الاقتصادي بين العرب "سيعقلون" وسيشبهون "بني الإنسان" أكثر فأكثر. كلا الاتجاهين لا يسمح لك أن تحتفظ باختلافك، بنظرتك الخاصة للكون ولنفسك. وعليك دوماً أن تتذكر كلمة الجنرال حين لخص هذا المشترك بين صاحبيه وبين أن المرجع دائماً هو راحة أعصاب المواطن الأمريكي. إن المحاضرة السابقة واحدة من عشرات المحاضرات وهي أكثرها دلالة، إلا محاضرةً عقدت في الفصل الثاني من السنة الدراسية كانت أشد وأنكى. بعد أن خرج رئيس الولايات المتحدة بمصطلح "محور الشر" عقدت سلسلة أخرى من الندوات تناقش المرحلة الثانية من حرب أمريكا على الإرهاب، أي العراق. كان نجم هذه المحاضرات مخلوقاً يدعى فريد زكريا، وهو أمريكي من أصل هندي ترقى في الدرجات حتى صار رئيس تحرير مجلة النيوزويك. قال فريد زكريا: "لا بد من ضرب العراق، لأن القوة العظمى، تماما كالبنك، تعيش على مصداقيتها. إن اهتزت مصداقية البنك لا يعود بنكاً، وإذا اهتزت مصداقية القوة العظمى تجرَّأ عليها الجميع، فلا تعود قوة عظمى بعد. وعليه فلا بد من ضرب العراق. ولكن إذا ضربنا العراق (والكلام لرئيس التحرير المذكور) وأبقينا على صدام كان ذلك أضر بمصداقيتنا من الكف عنه، وإذا ضربنا العراق وأسقطنا صدام ثم انسحبنا تفتت البلد إلى ثلاث مناطق للنفوذ، وإن في ذلك إضعافاُ لتركيا بسبب المشكلة الكردية في الشمال وتقوية لإيران بسبب الشيعة في الجنوب وليس ذلك من مصلحتنا، فلا بد إذن (والكلام لا يزال للمذكور) أن نضرب العراق ونطيح بصدام ثم نبقى في العراق ونحتله احتلالاً كلاسيكياً، أي أن نحصل على انتداب (هكذا قالها: انتداب) من الأمم المتحدة، وأن يحكم العراق مندوب سام أمريكي في بغداد، ولا مانع عندئذٍ من تعيين حكومة صورية من أهل البلاد" ثم زاد فقال:"وسيكون العراقيون شاكرين لنا، سنمنحهم حكماً ديمقراطياً ورخاء اقتصادياً". فلما سألته غاضباً من القاعة: "أتريد أن تذبحهم لكي تفرض عليهم نظامك ثم يكونوا شاكرين؟!!"، قال: "نعم، ألم نفعل ذلك بألمانيا واليابان، نحن قصفنا اليابان بالقنبلة النووية لنجعلها بلداً ديمقراطياً ليبرالياً مثلنا، وهم الآن في نعيم، إن الاستعمار مفيد جداً، كونوا عقلاء، وقد فعلناها مرة ونقدر أن نفعلها ثانية". وعندما قلت له: "ولكن كل قوم يفضلون أن يحكموا أنفسهم وإن كانت حكومتهم الوطنية سيئة على أن يحكمهم الآخرون" قال: "هذا ليس من العقل في شيء". وكلامه صحيح! فالكرامة والاستقلال، ليسا من العقل في شيء إذا أخذنا تعريف زكريا للعقل، إن العراق يعاقب لأنه لم يعترف بحدود رسمها غربيون، والغربيون لا يقبلون أن ثمة تعريفاً للعراق مختلفاً عن تعريفهم هم له، وأن ثمة تعريفاً للعقل مختلفاً عن تعريفهم هم له، ثم هم يتوقعون أن نكون لهم من الشاكرين إذا منحونا ذلك "العقل"هدية نوويةً وجلوداً مصهورة على الحيطان. ليس فريد زكريا هذا صوتا منفرداً، إنه رئيس تحرير مجلة من أكبر مجلات البلد، وككبار الصحفيين في أي بلد، علاقته بالرئاسة قوية واتصاله بها مستمر، وما قاله ليس بعيداً عن الخطط المقدمة على المكاتب في واشنطون. في ذلك الشهر وفي الشهر الذي تلاه ظهر مقالان في أكبر دوريتين علميتين متخصصتين في العلاقات الدولية في أمريكا، عنوان المقال الأول يمكن ترجمته هكذا "إعادة الاعتبار للإمبريالية" والثاني "إعادة تفعيل الاستعمار الكلاسيكي" مصحوبين بحملة إعلامية كبيرة ضد الحكام العرب في شتى محطات التلفزة الأمريكية مثل "فوكس نيوز" و"أم أس أم بي سي". كان ثمة فكرتان أساسيتان في المقالات والحملة الإعلامية، الأولى هي أن حكومات العالم الثالث، والعربية منها خصوصاً لم تعد تؤدي مهامها بكفاءة، فالولايات المتحدة تمد هذه الحكومات بالمساعدات وتغض الطرف عن انتهاكاتها لحقوق الإنسان (المقصود هنا حقوق الشواذ لا حقوق المعارضة) لكي تقوم هذه الحكومات بحفظ الأمن والاستقرار اللازمين لتأمين التجارة العالمية والمصالح الأمريكية حول العالم، إن دعم هذه الحكومات كان يعتبر حلاً أنجع وأرخص من التدخل العسكري المباشر من قبل الولايات المتحدة لحماية مصالحها. إلا أنه بات واضحاً بعد انهدام البرجين أن هذه الحكومات غير قادرة على حكم شعوبها مما يضطر الولايات المتحدة أن تتدخل عسكرياً بينما تستمر في دفع المساعدات إلى هذه الأنظمة، ويرى المحللون الأمريكيون المشتركون في الحملة المذكورة أن الاقتصار على الوجود الأمريكي المباشر قد يكون أنجع وأرخص على المدى الطويل. وجدير بالذكر أن هذا هو نفس المنطق الذي تتعامل به إسرائيل مع السلطة الفلسطينية، وكأن أمريكا تقول للحكام العرب بالعامية المصرية :"إنتو واقفين علينا بخسارة". أما الفكرة الثانية فهي أكثر نظريةً من الأولى، إذ يقول الباحثون الأمريكيون إن الدولة الحديثة اختراع أوروبي، وأنه يظهر من حالة العالم الثالث البائسة أن غير الأوروبيين لم يفلحوا في التعامل مع الدولة الحديثة كفكرة. وأنه ،نظراً لانتشار ظاهرة الدول "الفاشلة"، كالصومال وأفغانستان، وسواها من الدول "نصف الفاشلة" وهي أكثرية دول العالم الثالث، ونظراً لأن هذه الدول تكون بؤراً للإرهاب وتجارة المخدرات، فإن الاستعمار الكلاسيكي قد يكون حلاً أخلاقياً ينقذ العالم المتحضر من هذين الشرين وينقذ أهل تلك البلاد من الفقر والحروب الأهلية. بعد هذا بدأت جريدة "نيويورك تايمز" تنشر أخباراً عن خطة مقدمة لبوش تتضمن احتلال العراق بمائتين وسبعين ألف جندي أمريكي انطلاقاً من تركيا والكويت على أن يبقوا هناك إلى أجل غير مسمى...!! ثم إني شهدت محاضرة لبرنارد لويس المستشرق المشهور في جامعة هارفارد عن الإسلام والديمقراطية، قرر فيها أن الإسلام حضارة فاشلة، على وزن الدول الفاشلة، وتماما مثل طالبة الفلسفة الألمانية التي ذكرتها في أول المقال، قال إن مشكلة المسلمين أنهم لم يتصالحوا مع فشلهم. برنارد لويس يرى أن مشكلتنا، كأي مجنون، هو أننا لا ندرك جنوننا، نحن لا ندرك أن عقلنا ليس عقلاً، وأن العقل الوحيد هو عقل أعدائنا. إن الأثر المدمر لدين العقل هذا ليس مقتصراً على النظرة السائدة بين الغربيين لنا، بل هو يتعداها إلى نظرتهم لأنفسهم. في إحدى دروس مادة الفلسفة السياسية قررت علينا الأستاذة كتاباً اسمه "الأوراق الفيدرالية"، وهو مجموعة مقالات كتبها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة الأمريكية ليقنعوا سكان ولاية نيويورك بالتصويت إيجابيا على دستور البلاد الجديد. فالمقالات إذن همها إظهار الفلسفة الأخلاقية التي تمنح الدستور شرعيةً وقبولاً لدى من سيطبق عليهم. ولكن لم تكن في المقالات أية إشارة إلى العبيد ولا لأهل البلاد الأصليين من الهنود. قلت للأستاذة التي كانت تتغزل في أخلاقية الدستور والمقالات :" إن هذه المقالات كتبت لتشرع نظاماً قائماً اقتصاده على العبودية وأرضه مأخوذة عنوة من قوم آخرين، ثم لا يُذكَر الفريقان، العبيد والهنود، إطلاقاً ولا يحاول كاتبو المقالات أن يبرروا لقرائهم الحرب الدائرة في الغرب مع الهنود واستعباد السود. حتى أرسطو، حين كان يزن أخلاقية الدساتير اليونانية اضطر إلى أن يعالج مسألة العبيد وخرج بنظرية العبد الطبيعي وغير الطبيعي، والاستعماريون الأوروبيون، اضطروا أيضا إلى تبرير سيطرتهم على آسيا وإفريقيا بنظرية عبء الرجل الأبيض. إن أرسطو والاستعماريين الأوروبيين ، على عنصريتهم، رأوا من الضرورة أن يشرحوا ويبرروا سيطرتهم على الآخر، أما الآباء المؤسسون للولايات المتحدة فإنهم يسقطون موضوع الآخر تماماً، كأن استعبادهم للسود وإبادتهم للهنود أمر مفروغ منه لا يحتاج لشرح ولا لتبرير". فأجابتني أستاذة الفلسفة قائلة: "لا تكن متحاملاً، لم يكن هناك هنود في هذه البلاد، أقصد أنهم لم يكون مالكين للأرض، لم تكن لهم دولة، وعليه لم يكن لهم قانون، ولا ملكية بلا قانون، وكانت الأرض مشاعاً، فالبيض لم يأخذوا منهم شيئاً. وعليه فإن حربهم على البيض عدوان صرف، ولدى تشريع الدستور لا تتم مخاطبة المجرمين. أما السود، فلا يمكن أن تحاكم عصراً سابقاً بمقياس عصر لاحق، لم يكن الآباء المؤسسون يعتبرونهم بشراً، وعليه لم يلزم أن يذكروهم، إنك لا تبرر نفسك لثيران الحرث حتى وإن اعتمد اقتصادك عليهم"...! ما يسمى بالثورة الأمريكية ضد الإنجليز انطلق من بوسطن. وقد بدأ استقلال أمريكا، كما يجدر به أن يبدأ، بخلاف على الضرائب! اختلف المستوطنون البيض من رعايا التاج البريطاني في العالم الجديد مع الحكومة في لندن مما أدى ببعض أهل بوسطن أن يلقوا بحمولة شاي بريطانية وصلت مرفأهم في البحر، وكانت هذه بداية التمرد واستقلال أمريكا. واليوم يحتفظ الأمريكان بنموذج للسفينة الإمبراطورية الإنجليزية التي ألقي منها الشاي في المرفأ. إلى جانب هذه السفينة ترسو بارجة حديثة من سلاح البحرية الأمريكي تدعى "يو أس أس كونستيتيوشن"، واسمها يعني "الدستور". وإدارة المرفأ تفخر بوضع السفينتين كمركز جذب للسياح. قلت إن جحا نفسه يعجز عن تلخيص معنى الولايات المتحدة كما يلخصها وضع السفينتين. السفينة الاستعمارية القديمة بمحاذاة ابنتها الاستعمارية الجديدة، وبرغم أن السفينة البريطانية وضعت لتحكي قصة الثورة الأمريكية، إلا أن رسوها باتساق وانسجام مع البارجة الأخرى المسماة بالدستور تحكي قصة مضادة للثورات، قصة استعمار يتناسل و"يتمعدن" (ينتقل من خشب السفينة البريطانية إلى حديد المدمرة الأمريكية) وتزيد قوة النار فيه. وللأمانة فإن في الولايات المتحدة أناساً على غير ما وصفت أعلاه، ولكنهم، ككثير من المثقفين في بلادنا، لا حول لهم ولا قوة، فنعوم تشومسكي (اللغوي المعارض للسياسة الأمريكية) و هوارد زين (المؤرخ اليساري المعارض أيضاً) وسواهما نجوم بلا حركة تحملهم، قد يحضر لهم الكثيرون ندواتهم ولكن لا أثر سياسياً للمحاضر ولا للمحاضرة ولا للحضور. في إحدى هذه اللقاءات، ذكرت مسألة السفينتين، وظننت أن القوم سيفهمون المفارقة، لكن، حتى هؤلاء، لم يفهموا. إنني أرى أن طرفي الحرب القادمة سيأتيان بالبلاء على أهلهما، إن المتشددين عندنا سجروننا إلى مواجهة تضيع فيها بلادنا، كما سيجر قادة أمريكا من أصحاب دين العقل هؤلاء بلدهم إلى مستنقعات تخسر فيها سيطرتها على العالم، ولن يستفيد من هذه الحرب أكثر العرب ولا أكثر الأمريكيين. عدت من بلادهم وأنا أفكر في مظاهرة شهدتها في رام الله هذا الشتاء، ناس من مختلف الأعمار والأشكال والأحزاب، تبدأ المظاهرة تشكيلة من الألوان، علم حماس الأخضر، علم فتح الأصفر، علم الجبهة الشعبية والحزب الشيوعي الأحمران، علم العراق وحزب الله، قوم يصفقون، آخرون يثرثرون، جدات في الثمانين، خرجن مع أحفادهن الذين بلغوا لتوهم، فعندهن أن الصبي إذا بلغ صار رجلاً، وأن من الجُبن تثبيطه عن المواجهة، ولكن قلوبهن لا تطيعهن في ترك الصبية يخرجون وحدهم، فيخرجن معهم. سياسيون ببدلاتهم يمشون صفاُ جامداً، ترتيبهم محفوظ لا يتغير من اليمين إلى اليسار حسب قوة الفصيل، لا شِعر في المظاهرة ولا مجد لها، إلى أن يظهر الجنود، فإن ظهروا تحول الناس إلى ملاحم، وتوحد الهتاف فصار: يا مرحبا بك يا موت...يا مرحبا بك يا موت، ويخاف الجنود ونحن نخيفهم ولا نخاف منهم. تذكرتهم وتذكرت هتافاً لهم عندما مروا بمحاذاة "المقاطعة" وكان المبعوث الأمريكي فيها فنادوا: أمريكا هيِّة هيِّة...أمريكا راس الحيِّة رحم الله من استشهد منهم...
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم تميم البرغوثي شاعر فلسطيني متالق شعره في القمة دوما يسعى لتحقيق مراده ومبتغاه في هده الحياة سلمت يداك وبارك الله فيك مشاركة طيبة وتقبلي مروري