بسم الله الرحمن الرحيم سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن قولهم في الاستسقاء : [ ( لا بأس بالتوسل بالصالحين ) وقول أحمد : ( يتوسل بالنبي r خاصة ) مع قولهم : إنه لا يستغاث بمخلوق ] ؟ فقال: فالفرق ظاهر جداً ، وليس الكلام مما نحن فيه ، فكون بعض يرخص بالتوسل بالصالحين ، وبعضهم يخصه بالنبي r ، وأكثر العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه ، فهذه المسألة من مسائل الفقه ، وإن كان الصواب عندنا قول الجمهور من أنه مكروه ، فلا ننكر على من فعله ، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد ، ولكن إنكارنا على من دعا لمخلوق أعظم مما يدعو الله تعالى ويقصد القبر يتضرع عند ضريح الشيخ عبد القادر أو غيره يطلب فيه تفريج الكربات وإغاثة اللهفات وإعطاء الرغبـات ، فأيـن هـذا ممـن يدعـو الله مخلصـاً لـه الديـن لا يدعـو مـع الله أحـداً ولكـن يقـول في دعائـه : أسألـك بنبيـك أو بالمرسلين أو بعبـادك الصالحين، أو يقصـد قبراً معروفـاً أو غيـره يدعـو عنـده ، لكـن لا يدعـو إلا الله مخلصاً له الدين فأين هذا مما نحن فيه . ( انتهى من فتاوى الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب في مجموعة المؤلفات القسم الثالث ص68 التي نشرتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب ) . وهذا يدل على جواز التوسل عنده غاية ما يرى أنه مكروه في رأيه عند الجمهور ، والمكروه ليس بحرام فضلاً عن أن يكون بدعة أو شركاً . الشيخ محمد بن عبد الوهاب يتبرأ عمّن يكفر المتوسلين وقد جاء عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته الموجهة لأهل القصيم الاستنكار الشديد على من نسب إليه تكفير المتوسل بالصالحين ، وقال : إن سليمان بن سحيم افترى عليَّ أموراً لم أقلها ، ولم يأت أكثرها على بالي ، فمنها : أني أكفر من توسل بالصالحين ، وأني أكفر البوصيري لقوله : يا أكرم الخلق ، وأني أحرق دلائل الخيرات . وجوابي عن هذه المسائل : أني أقول سبحانك هذا بهتان عظيم . وجاء أيضاً تأييد قوله هذا في رسالة أخرى له بعثها إلى أهل المجمعة يقول فيها : إذا تبين هذا فالمسائل التي شنع بها ، منها ما هو من البهتان الظاهر ، وهو قوله : أني أكفر من توسل بالصالحين ، وأني أكفر البوصيري إلى آخر ما قال ، ثم قال : وجوابي فيها أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم . [أنظر الرسالة الأولى والحادية عشرة من رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب القسم الخامس 12 وص64] . الله ورسوله اعلم منقول عن شبكه المنبر وهذا يدل على جواز التوسل عنده. انظر : فتاوى الشيخ محمد بن عبدالوهاب في مجموعة المؤلفات القسم الثالث ص(68) التي نشرتها جامعة الإمام محمد بن مسعود الإسلامية في أسبوع الشيخ محمد بن عبدالوهاب .. ******ثانيا سياق المقطع الاول وأتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكر محاسنهم، وأترضى عنهم، وأستغفر لهم، وأكف عن مساويهم، وأسكت عما شجر بينهم، وأعتقد فضلهم عملاً بقوله تعالى:{ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } 4، وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء. وأقرّ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 سورة البقرة آية: 255. 2 سورة النجم آية: 26. 3 سورة المدثر آية: 48. 4 سورة الحشر آية: 10. ص -11- بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات، إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئاً، ولا يُطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله. ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار، إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني أرجو للمحسن وأخاف على المسيء، ولا أكفّر أحداً من المسلمين بذنب، ولا أخرجه من دائرة الإسلام. وأرى الجهاد ماضياً مع كل إمام براً كان أو فاجراً، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة، والجهاد ماض منذ بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل. وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين، برهم وفاجرهم، ما لم يأمروا بمعصية الله. ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس، ورضوا به، وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة، وجبت طاعته، وحرم الخروج عليه. وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا، وأحكم عليهم بالظاهر وأكل سرائرهم إلى الله. وأعتقد أن كل محدثة في الدين بدعة. وأعتقد أن الإيمان: قول باللسان، وعمل بالأركان، واعتقاد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية؛ وهو بضع وسبعون شعبة، أعلاها: شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق. وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة. فهذه عقيدة وجيزة، حررتها وأنا مشتغل البال، لتطلعوا على ما عندي. والله على ما نقول وكيل. ثم لا يخفى عليكم، أنه بلغني أن رسالة سليمان بن سحيم قد وصلت إليكم، وأنه قبلها وصدقها بعض المنتمين للعلم في جهتكم؛ والله يعلم أن الرجل ص -12- افترى عليَّ أموراً لم أقلها، ولم يأت أكثرها على بالي. فمنها: قوله: إني مبطل كتب المذاهب الأربعة، وإني أقول: إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء، وإني أدعي الاجتهاد، وإني خارج عن التقليد، وإني أقول: إن اختلاف العلماء نقمة، وإني أكفّر من توسل بالصالحين، وإني أكفّر البوصيري لقوله: يا أكرم الخلق، وإني أقول: لو أقدر على هدم قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهدمتها، ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها وجعلت لها ميزاباً من خشب، وإني أحرم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وإني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهما، وإني أكفّر من حلف بغير الله، وإني أكفّر ابن الفارض وابن عربي، وإني أحرق دلائل الخيرات وروض الرياحين وأسميه روض الشياطين. جوابي عن هذه المسائل، أن أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم! وقبله من بهت محمداً صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى بن مريم ويسب الصالحين، فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب وقول الزور. قال تعالى:{ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ } 1 الآية، بهتوه صلى الله عليه وسلم بأنه يقول: إن الملائكة وعيسى وعزيراً في النار، فأنزل الله في ذلك:{ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } 2. وأما المسائل الأخر، وهي: أني أقول: لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى "لا إله إلا الله"، وأني أعرّف من يأتيني بمعناها، وأني أكفّر الناذر إذا أراد بنذره التقرب لغير الله، وأخذ النذر لأجل ذلك، وأن الذبح لغير الله كفر والذبيحة حرام، فهذه المسائل حق، وأنا قائل بها. ولي عليها دلائل من كلام الله ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 سورة النحل آية: 105. 2 سورة الأنبياء آية: 101. ص -13- وكلام رسوله، ومن أقوال العلماء المتبعين كالأئمة الأربعة. وإذا سهل الله تعالى، بسطت الجواب عليها في رسالة مستقلة، إن شاء الله تعالى. ثم اعلموا وتدبروا قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ } 1 الآية. ******ثالثا سياق المقطع الثانى التوسل بالصالحين العاشرة: قولهم في الاستسقاء: لا بأس بالتوسل بالصالحين، وقول أحمد: يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، مع قولهم: إنه لا يستغاث بمخلوق، فالفرق ظاهر جدًا، وليس الكلام مما نحن فيه؛ فكون بعض يرخص بالتوسل بالصالحين وبعضهم يخصه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأكثر العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه، فهذه المسألة من مسائل الفقه 5، ولو كان الصواب عندنا: قول الجمهور: إنه مكروه، فلا ننكر على من فعله؛ ولا إنكار في مسائل الاجتهاد، لكن إنكارنا على من دعا لمخلوق أعظم مما يدعو الله تعالى، ويقصد القبر يتضرع عند ضريح الشيخ عبد القادر أو غيره، يطلب فيه تفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، وإعطاء الرغبات. فأين هذا ممن يدعو الله مخلصًا له الدين لا يدعو مع الله أحدًا، ولكن يقول في دعائه: أسألك بنبيك، أو بالمرسلين، أو بعبادك الصالحين، أو يقصد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 في طبعة الأسد: (تطويل)، وكذا في طبعة أبا بطين. 2 في طبعة أبا بطين: (لا يقبل). 3 في طبعة أبا بطين: (ولم أفعل). 4 في طبعة أبا بطين: (إلا بالاستتابة والتي من الاستنيابة). 5 في طبعة أبا بطين: (الفقر). ص -69- قبر معروف أو غيره يدعو عنده، لكن لا يدعو (إلا) 1 الله مخلصًا له الدين، فأين هذا مما نحن فيه؟ المسألة الحادية عشرة: في لمس القبر أو قصده للدعاء عنده، فليس هذا من دين المسلمين، فهذا هو الصواب بلا ريب. وكون الشارح ذكر كلام الحربي أن قبر معروف الترياق المجرب، فهذا لا ينكر لأن العلماء يذكرون في المسألة القولين أو أكثر، ويرجحون الراجح، أو يتوقف بعضهم، ولكن كلام الشيخ بضد كلام الحربي مخالف له، منكر له. ولكن ليكن منك على بال ما أخرجاه 2 في الصحيحين: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن، قال له:إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: أن يوحدوا الله. فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات " 3، فتدبر هذا، وأرعه سمعك، وأحضر قلبك. إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم ما أمره أن لا يدعوهم إلى الصلوات الخمس إلا إن استجابوا للتوحيد، فكيف بمن لا يهمه في دينه إلا بعض مسائل الاجتهاد، مع ما يراه من سب الناس للتوحيد، واستحلالهم دم من دان به وماله، ودعوتهم إلى الشرك الأكبر، ودعواهم أن أهله السواد الأعظم، ثم مع هذا إذا أخذهم السيف كرهًا، قالوا: ما خالفنا، والناس يكذبون علينا وعرفنا الكذب، وإلا جميع ما جرى منهم لم يقروا به، ولم يتوبوا منه؛ والرسول صلى الله عليه وسلم هذه وصيته لمعاذ. فالله الله! 4 في تدبر هذا الحديث، وتدبر ما عليه أعداء الله من العداوة للتوحيد. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 في طبعة أبا بطين: بدون (إلا). 2 في طبعة أبا بطين: (ما أخرج). 3 البخاري: التوحيد (7372), ومسلم: الإيمان (19), والترمذي: الزكاة (625)والبر والصلة (2014), والنسائي: الزكاة (2435), وأبو داود: الزكاة (1584), وابن ماجة: الزكاة (1783), وأحمد (1/233), والدارمي: الزكاة (1614). 4 في طبعة الأسد وأبا بطين: (فاتق الله). ص -70- وأما المسائل التي ذكر في الجنائز: من لمس القبر، والصلاة عنده، وقصده لأجل الدعاء، أو كذا وكذا، فهذا أنواع: أما بناء القباب عليها فيجب هدمها، ولا علمت أنه يصل إلى الشرك الأكبر، وكذلك الصلاة عنده، وقصده لأجل الدعاء، فكذاك لا أعلمه يصل إلى ذلك؛ ولكن هذه الأمور من أسباب حدوث الشرك، فيشتد نكير العلماء لذلك، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " 1. وذكر العلماء أنه يجب التغليظ في هذه الأمور، لأنه يفتح باب الشرك; كما أنه أول ما حدث في الأرض بسبب ود وسواع ويعوق ونسر، لما عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم يتذكرون بها الآخرة، ثم بعد ذلك بقرون عبدوا؛ فكذلك في هذه الأمة كما قال صلى الله عليه وسلم: " لتتبعنّ سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " 2. فأول ما حدث الصلاة عند القبور والبناء عليها من غير شرك، ثم بعد ذلك بقرون وقع الشرك. وأول ما جرى من هذا: أن بني أمية - لما بنوا مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم - وسعوه واشتروا بيوتًا حوله، ولم يمكنهم إدخال بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذي فيه قبره وقبر صاحبيه، ولكن أدخلوا البيت في المسجد لأجل توسيع المسجد ولم يقصدوا تعظيم الحجرة بذلك، لكن قصدوا تعظيم المسجد، ومع هذا أنكره علماء المدينة، حتى قُتل خبيب بن عبد الله بن الزبير بسبب إنكاره ذلك. فانظـر إلى سد العلماء الذرائع. وأما النذر له، ودعاؤه والخضوع له، فهو من الشرك الأكبر، فتأمل ما ذكره البغوي في تفسير سورة نوح في قوله تعالى:{ وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 البخاري: الصلاة (436), ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (531), والنسائي: المساجد (703), وأحمد (1/218, 6/34, 6/80, 6/121, 6/146, 6/252, 6/255, 6/274), والدارمي: الصلاة (1403). 2 البخاري: أحاديث الأنبياء (3456), ومسلم: العلم (2669), وأحمد (3/84, 3/89, 3/94). ص -71- آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً } 1 الآية، وما ذكر أيضاً في سورة النجم في قوله:{ أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى} 2، أن اللات قبر رجل صالح. فتأمل الأصنام التي بعثت الرسل بتغييرها، كيف تجد فيها قبور الصالحين. والحمد لله رب العالمين. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 سورة نوح آية: 23. 2 سورة النجم آية: 19. [FONT=Arial (Arabic)]منقول من موقع انصار السنه[/FONT]