العولمة والتورة التكنولوجية

الموضوع في 'ثقافة عامة ومقالات علمية' بواسطة فراشة, بتاريخ ‏13 أكتوبر 2013.

  1. فراشة

    فراشة عضو متألق

    المقدمة

    منذ بداية عقد التسعينات من القرن الماضي والفكر العربي مشغول بالظاهرة الجديدة التي لم يتفق الكتاب العرب على تسمية واحدة لهذه الظاهرة رغم كثرة حديثهم عنها، فقد أسماها بعضهم (العولمة) وأطلق عليها البعض الآخر (الكونية)(1)، وقسم ثالث سماها (الكوكبة) وما يهمنا في هذا الصدد هو طرح مجموعة من التساؤلات عن حقيقة العولمة ما هي؟ وكيف يمكن تعريفها؟ هل هي مفهوم اقتصادي أم ثقافي أم اجتماعي؟ وهل تعني العولمة بروز عالم بلا حدود اقتصادية وثقافية واجتماعية ؟ وهل تعني العولمة ظهور نظام اقتصادي واحد أم قيام حكومة عالمية واحدة يذوب المحلى في العالمي ؟ وبروز العامل الخارجي كعامل مؤثر في مواقف وسلوكيات الأفراد على المستوى العالمي ؟ الواقع أنه لا توجد إجابات حاسمة لمثل هذه التساؤلات وبالتالي يصبح تعريف العولمة أمر بالغ الصعوبة. ونجد أن مفهوم العولمة في الأدبيات السياسية والثقافية العربية المعاصرة لا يساهم في ضبط وتحديد الظاهرة وأبعادها الأساسية، فالعولمة مفهوم يراد منه في كثير من الكتابات العربية الراهنة أن يكون مرادفا لمعنى العالمية فتختلط المفاهيم لتتحول من أدوات للتواصل المعرفي، إلى أدوات للتشويش الفكري الذي لا يسعفنا في تحديد الظاهرة أو يجعلنا نستوعبها. وثارت في الفترة الأخيرة من دخول السنة الأولى من الألفية الثالثة تساؤلات أكثر جدية من سابقتها، هذه التساؤلات تدور حول الفرص والمخاطر التي تفرزها العولمة وعن أساليب التعامل مع هذه الافرازات و مرتكزاتها وأصبح من غير الممكن فهم عقد التسعينات من القرن الماضي وما حدث فيه من تطورات متلاحقة دون الرجوع إلى ظاهرة العولمة التي أصبحت الآن الإطار المرجعي لكل الدراسات الاجتماعية والإنسانية. ورغم ارتباط مفهوم العولمة بالتحولات الخارقة للعادة التي تعيشها المجتمعات المعاصرة، بما يشبه الثورات الكبرى التي قادت العالم الحديث نحو المجتمع الصناعي، على أنها ثورات وتحولات تحدث على مستوى العالم في أوقات متقاربة، وتعمم من خلالها مفاهيم وتوجهات وأذواق، إلا أن مصطلح العولمة لم يكن له أي وجود قبل منتصف الثمانينات من القرن العشرين، وقد أصبح اليوم من أكثر المفاهيم والمصطلحات تداولا على مستوى العالم.إن الحديث عن العولمة قد تزامن مع بروز مجموعة من الظواهر السياسية والحياتية والمستجدات الفكرية والتطورات التكنولوجية التي تدفع في اتجاه ترابط العالم وتشابكه وتقاربه وزيادة انكماشه .وقد ارتبط مصطلح العولمة أشد الارتباط بالثورة العلمية والمعلوماتية الجديدة والتي تكتسح العالم منذ بداية التسعينات أصبحت القوة الأساسية المسؤولة عن بروز العولمة وإن لم تكن الوحيدة. فالثورة العلمية والتكنولوجية هي التي جعلت العالم أكثر اندماجا وهي التي سهلت وعجلت حركة الأفراد ورؤوس الأموال والسلع والمعلومات والخدمات، وهي التي جعلت المسافات تتقلص والزمان والمكان في حالة انكماش(2).وتمثل العولمة نوع من التداخل الكثيف في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية بين مختلف دول العالم والذي من الصعب إن لم يكن من المستحيل ضبط تأثيراته والتحكم في بالإجراءات التقليدية كإغلاق الحدود وقطع العلاقات الدبلوماسية مثلا. فالعلاقات الدولية اليوم لم تعد تقتصر فقط كما عليه الحال من قبل على العلاقات التجارية (استيراد وتصدير) والدبلوماسية (تبادل البعثات) إي تلك العلاقات التي كانت تقررها الدول بكامل إرادتها في إطار ممارستها لسيادتها على شعوبها وبلدانها، بل أصبحت اليوم بفضل التقدم الهائل لوسائل المواصلات وثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصال تتخطى كل الحدود وتحطم كل القيود لتفرض نفسها على كل المستويات المهمة الحساسة بعيدا عن أية مراقبة من أي نوع كانت هذه المراقبة
     

مشاركة هذه الصفحة