الأنس بالله تعالى عبد الكريم ضيافي يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء" رواه مسلم برقم 145. وقد سئل عليه الصلاة والسلام عن صفة هؤلاء الغرباء فقال:" الذين يصلحون إذا فسد الناس " السلسة الصحيحة برقم 1273. وهم أهل الزمان الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم : "يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر " رواه الترمذي وهو في الصحيحة برقم 957. فما سر صبر هؤلاء الغرباء في هذا الأزمان العصيبة ؟ وما الذي أذهب عنهم الوحشة في سلوك طريق الصلاح مع قلة سالكيه وقلة الأعوان عليه ؟ وما الذي جعلهم يتميزون بالاستقامة وسط هذا الركام من الانحراف و الفساد ؟ فلا بد أن لهم حادٍ يسوقهم ومسلٍ يؤنسهم !! إنه لا شيء غير الأنس بالله والتسلي بالقرب منه سبحانه فهم أناس امتلأت قلوبهم بمعرفة الله ومحبته وتعظيمه وإجلاله، وحلاوة مناجاته وتلاوة كتابه، فأكسبهم ذلك لذة أنستهم في لذات الدنيا و شهواتها، والأسف على ما فات منها، وكان لهم في ذلك العوض الأكبر قال الحسن البصري رحمه الله : " إن أحباء الله هم الذين ورثوا طيب الحياة ،وذاقوا نعيمها بما وصلوا إليه من مناجاة حبيبهم ، وبما وجدوا من لذة حبه في قلوبهم "، (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)الرعد: ٢٨. فيزول قلق النفوس واضطرابها ، وتحضرها أفراحها ولذاتها، لأنها امتلأت أنسا بباريها سبحانه وشوقا إلى لقائه، فليست تترك ما أمرت به لشعورها بالوحدة على الطريق وكان لها في صفوة الله من خلقه أسوة ، فلم يزدادوا عليهم السلام عند اشتداد الكروب وكثرة الخطوب وتسلط الأعداء إلا أنسا بالله . فهاهو نوح عليه السلام يأنس بالله في دعوة قومه ، فما استوحش الطريق ولا ضعفت همته وداوم على ذلك تسعمائة وخمسون سنة، يستمد فيها العون من الله ، (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ) يونس: ٧١. وهاهو إبراهيم عليه السلام يأنس بالله في توحيده ، ويرضى بالوحدة لأنها النجاة فكان كما قال الله عنه (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )النحل: ١٢٠ . وهاهو يوسف عليه السلام يفضل الأنس بربه في خلوته ، يوم أغروه بما يغضب ربه جل وعلا ( قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) يوسف: ٣٣. وهاهو موسى عليه السلام يأنس بالله ويتسلى بفضله، يوم أن أصبح غريبا مطاردا من جنود فرعون (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )القصص: ٢١ . وسيدنا يونس عليه السلام يوم ابتلعه الحوت ، لم تكن له إلا رحمة الله أنيسا (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)الأنبياء: ٨٧ . وهكذا جميع أنبياء الله يوم أحاطت بهم مكائد أقوامهم ، لم يكن لهم أنس إلا بالله المطلع على أحوالهم . وإنما استوحش الجاهلون وقست قلوبهم، ولم يجدوا الأنس بطاعة الله وذكره، لأنهم يستوحشون من ترك الدنيا وشهواتها، فهم لا يعرفون سواها فهي أُنسهم، وأنفس شيء عندهم ، وأصعب شيء عند المترف مفارقة ترفه، لأنه لا عوض عنده من لذات الدنيا إذا تركها، فهو لا يصبر على تركها ومع ذلك فلا راحة له في ذلك الترف وذلك البعد عن الله حالهم : الشيب كره وكره أن أفارقه فأعجب لشيء على البغضاء محبوب يقول سبحانه (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) طه: ١٢٤ . قال ابن القيم رحمه الله :" من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه، وأن تسمع داعيه، ثم تتأخر عن الإجابة، وأن تعرف قدر الربح في معاملته، ثم تعامل غيره ، وأن تعرف قدر غضبه، ثم تتعرّض له، وأن تذوق ألم الوحشة ثم لا تطلب الأنس بطاعته، وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه، ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته، وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره، ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه، والإنابة إليه، وأعجب من هذا علمك أن لا بد لك منه، وأنك أحوج شيء إليه، وأنت عنه معرض، وفيما يبعدك عنه راغب" الفوائد /47. فالطاعة توجب القرب من الرب سبحانه والقرب يوجب الأنس فكلما اشتد القرب قوى الأنس والمعصية توجب البعد من الرب فكلما كثرت الذنوب اشتد البعد وقويت الوحشة فكل مطيع مستأنس وكل عاص مستوحش وأمرُّ العيش عيش المستوحشين الخائفين وأطيب العيش عيش المستأنسين و العاقل لا يبيع أنس الطاعة وأمنها وحلاوتها بوحشة المعصية وما توجبه من الخوف والاضطراب و حتى يظل العبد في أنس وطمأنينة ، و راحة وسكينة ،لابد عليه أن يظل مراقبا لنفسه مطيعا لربه ، محسنا في ذلك ، فالله مع المحسنين بتأييده وتوفيقه وإيناسه يقول سبحانه (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ )العنكبوت: ٦٩ .وقال أيضا( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) النحل: ١٢٨ . فمع الله إذا في كل زمان ومكان وفي كل حين وآن مع الله في السر والعلن مع الله في الشدة بالصبر وفي الرخاء بالشكر مع الله في البيع والشراء بالصدق مع الله عند رؤية المنكر بالتغيير مع الله في الحث على الخير والدلالة على المعروف مع الله في وصل الأرحام و بر الوالدين مع الله في مخالطة الناس بحميد الأخلاق مع الله في مكان الوظيفة بالأمانة والإتقان مع الله في البيت بالتربية والتوجيه مع الله في كل مدخل ومخرج مع الله في الحل والترحال عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن " رواه الترمذي برقم 1987وهو في صحيح الجامع برقم 97. هذه هي حياة المؤمن لا يخلو جزء منها من العيش مع الله فهو طالب للأنس منه سبحانه بطاعته، في كل حركاته وسكناته، كالسمكة إذا أخرجت من الماء صارت ميتة يقول سبحانه (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام: ١٦٢ - ١٦٣ .فالحارس الذي لا يفارق قلبه :أنا لله فليس لي أن أفعل ما أشاء، هل هذا الأمر طاعة لله فأمضي أم هو معصية فأحجم ؟ فيا من يبحث عن اللذة والطمأنينة والأنس ، أطع مولاك تجد مفقودك ،أزل عنك لباس الغفلة فالله يقول: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل: ٩٧. وسل الله أن يحي قلبك فهو القائل : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) فأنس يا أخي بقرب الله ووعده في طلب الطمأنينة والأنس. ربنا آتنا في الدنيا حسنة في الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. البقرة: ١٨٦.
بارك الله فيك اخي الاندلسي على النقل المبارك وجزا الله صاحب المقال عن الاسلام خير الجزاء والله موضوع هام هام جدا ومن احسن المواضيع اللي قراتها لدلك استسمحك اخي بالمشاركة باكثر من رد يقول ابن القيم: في القلب شعت لا يلمه إلا الإقبال على الله وفي القلب وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله، وفي القلب خوف وقلق لا يذهب إلا بالفرار إلى الله، وفي القلب حسرة لا يطفئها إلا الرضا بالله' قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أفضل الدعاء: " اللهم إني أسألك الأنس بقربك" للهم إجعلنا ممن يؤنسون بك
تأَمَّلتُ في حال السلف " رحمهم الله جميعاً " , ( فوجدتُ أكثرهم لا يقوى على مخالطة الخلق فهو يفر إلى الخلوة ليستأنس بحبيبه ، ولهذا كان أكثرهم يطيل الوحدة . وقيل لبعضهم : ألا تستوحش ؟ قال : كيف أستوحش وهو يقول : أنا جليس من ذكرني ؟. وقال آخر : وهل يستوحش مع الله أحد ؟. وكان يحيى بن معاذ كثير العزلة والانفراد فعاتبه أخوه فقال له : إن كنت من الناس فلا بد لك من الناس ، فقال يحيى : إن كنت من الناس فلا بد لك من الله . وقيل له : إذا هجرت الخلق مع من تعيش ؟ قال : مع من هجرتُهم له . وأنشد إبراهيم بن أدهم : هجرت الخلق طراً في هواكا * وأيتمت العيال لكي أراكا فلو قطعتني في الحب إرباً * لما حن الفؤاد إلى سواكا وعوتب ابن غزوان على خلوته فقال : إني أصبت راحة قلبي في مجالسة من لديه حاجتي ) . ..باختصار من كتاب كشف الكربة في وصف أهل الغربة .. للإمام الحافظ " أبي الفرج ابن رجب الحنبلي" * وقال بعض السلف : إذا وجدتَ نفسك تستأنس بالناس وتستوحش من الوحدة فاعلم أنك لا تصلح له . "أي لله عز وجل " . فاللهم إنّا نسألك الأُنس بقربك ..
من أبرز العلامات الدالة على صحة القلب وسلامته أن صاحبه يأنس بالله وطاعته وذكره سبحانه. قال ابن القيم رحمه الله:" ومن علامات صحة القلب: أن لا يفتر عن ذكر ربه، ولا يسأم من خدمته، ولا يأنس بغيره، إلا بمن يدله عليه، ويذكره به، ويذاكره بهذا الأمر" إغاثة اللهفان. فالأنس بالله تعالى روح القرب منه جل وعلا، والأنس بالله تعالى حالة وجدانية تحمل على التنعم بعبادة الرحمن، والشوق إلى لقاء ذي الجلال والإكرام.. قال أحد السلف:" مساكين أهل الدنيا، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها. قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره وطاعته". وكما أنه لا نسبة لنعيم ما في الجنة إلى نعيم النظر إلى وجهه الأعلى سبحانه، فلا نسبة لنعيم الدنيا إلى نعيم محبته ومعرفته والشوق إليه والأنس به، بل لذة النظر إليه سبحانه تابعة لمعرفتهم به ومحبتهم له، فإن اللذة تتبع الشعور والمحبة، فكلما كان المحب أعرف بالمحبوب وأشد محبة له كان التذاذه بقربه ورؤيته ووصوله إليه وأنسه به أعظم. فالأنس بالله مقام عظيم من مقامات الإحسان الذي قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:" أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". قال أحد السلف:" من عمل لله على المشاهدة فهو عارف، ومن عمل على مشاهدة الله إياه فهو مخلص". قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعليقا على الحديث والأثر:" فهذان مقامان: أحدهما: الإخلاص وهو أن يعمل العبد على استحضار مشاهدة الله إياه واطلاعه عليه وقربه منه. الثاني: أن يعمل العبد على مشاهدة الله بقلبه وهو أن يتنور قلبه بنور الإيمان" " استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس". يشير ابن رجب رحمه الله بكلامه هذا إلى منزلة المراقبة ومقام المشاهدة أو المعاينة كما يسميه بعض أهل العلم. ف"المشاهدة" ناتجة عن معاينة آثار أسمائه وصفاته تعالى في الكون، بحيث يترتب عن ذلك تنور القلب وتعلقه بالرب، وهذه المنزلة هي التي قال عنها النبي عليه الصلاة والسلام:" أن تعبد الله كأنك تراه" فهي رؤية حكمية. أما "المراقبة" فهي العلم واليقين باطلاع الحق سبحانه على ظاهر العبد وباطنه، وهي التي قال فيها عليه الصلاة والسلام:" فإن لم تكن تراه فإنه يراك ". قال الحافظ ابن رجب رحمه الله بعد كلامه السابق:" يتولد عن هذين المقامين: الأنس بالله والخلوة لمناجاته وذكره واستثقال ما يشغل عنه من مخالطة الناس والاشتغال بهم" " استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس". فمنزلة المراقبة إذا تحققت في العبد حصل له الأنس بالله تعالى. قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله:" متى تحققت المراقبة حصل الأنس" صيد الخاطر. ووجه ذلك أنه إذا حصلت المراقبة يحصل القرب من الرب سبحانه، والقرب منه جل وعلا يوجب الأنس. قال الإمام ابن القيم رحمه الله:" والقرب يوجب الأنس والهيبة والمحبة" مدارج السالكين. ويقول كذلك رحمه الله:" وقوة الأنس وضعفه على حسب قوة القرب فكلما كان القلب من ربه أقرب كان أنسه به أقوى، وكلما كان منه أبعد كانت الوحشة بينه وبين ربه أشد" المدارج. وإذا ارتقى العبد إلى تحقيق مقام المشاهدة والمعاينة لآثار أسمائه وصفاته في الكون بحيث يتنور قلبه حصل الأنس، ووجهه أن منشأ الأنس بالله تعالى ومبدؤه التعبد بمقتضى أسمائه تعالى وصفاته بعد التفهم لمعانيها. قال الإمام ابن القيم رحمه الله:" هذا الأنس المذكور مبدؤه الكشف عن أسماء الصفات التي يحصل عنها الأنس ويتعلق بها كاسم الجميل، والبر، واللطيف، والودود، والحليم، والرحيم، ونحوها" المدارج. قال ابن عطاء رحمه الله:" المعرفة على ثلاثة أركان: الهيبة، والحياء، والأنس". وزيادة في الإيضاح نقول: أن التفهم لمعاني الأسماء والصفات يحمل العبد على معاملة ربه بالمحبة والرجاء وغيرهما من أعمال القلوب. قال الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله:"فهم معاني أسماء الله تعالى وسيلة إلى معاملته بثمراتها من: الخوف، والرجاء، والمهابة، والمحبة، والتوكل، وغير ذلك من ثمرات معرفة الصفات" شجرة المعارف والأحوال. ويقول العلامة السعدي رحمه الله:"إن معرفة الله تعالى تدعوا إلى محبته وخشيته ورجائه وإخلاص العمل له، وهذا عين سعادة العبد، ولا سبيل إلى معرفة الله إلا بمعرفة أسمائه وصفاته، والتفقه في فهم معانيها.." تيسير الكريم الرحمن. وتحقق كل من الرجاء في الله الذي يحمل على الطمع في الوصول إليه تعالى ، وتحقيق مقام المحبة الذي يحمل على الشوق إليه سبحانه وغيرهما مما يتولد عن التفهم للأسماء والصفات والتعبد بمقتضى ذلك كما مر قريبا، سبيل إلى الأنس والاستئناس بالله. قال ابن القيم رحمه الله:" ..ولما كان الطلب بالهمة قد يعرى عن الأنس، وكان المحب لا يكون إلا مستأنسا بجمال محبوبه، وطمعه بالوصول إليه. فمن هذين يتولد الأنس: وجب أن يكون المحب موصوفا بالأنس" المدارج. وعليه فالعبد إذا ارتقى بالعلم النافع والعمل الصالح إلى مقام الإحسان واستقرت قدمه فيه أنس بالله تعالى والتذ بطاعته وذكره. قال العلامة السعدي رحمه الله مقررا ذلك في منظومته واصفا أهل السير إلى الله والدار الآخرة: عبدوا الإله على اعتقاد حضوره****فتبوءوا في منزل الإحسان. ثم قال شارحا رحمه الله:" وهذه المنزلة من أعظم المنازل وأجلها، ولكنها تحتاج إلى تدريج للنفوس شيئا فشيئا. ولا يزال العبد يعودها نفسه حتى تنجذب إليها وتعتادها فيعيش العبد قرير العين بربه، فرحا مسرورا بقربه". ولذا فإن الأنس بالله تعالى ثمرة الطاعات والتقرب إلى رب الأرض والسماوات كما قال ابن القيم رحمه الله:" فكل طائع مستأنس، وكل عاص مستوحش كما قيل: فإذا كنت قد أوحشتك الذنو****ب فدعها إذا شئت واستأنس " المدارج. ويقول ابن الجوزي رحمه الله:"..إنما يقع الأنس بتحقيق الطاعة لأن المخالفة توجب الوحشة والموافقة مبسطة المستأنسين، فيا لذة عيش المستأنسين، ويا خسارة المستوحشين" صيد الخاطر. قيل للعابد الرباني وهيب بن الورد رحمه الله: هل يجد طعم العبادة من يعصيه؟ قال: "لا، ولا من يهم بالمعصية". وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول:" من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية". وعليه كان السلف الصالح الكرام، والأئمة الأعلام يتشوقون إلى فعل الطاعات، و يحرصون على تقديم القربات لرب الأرض والسماوات، ولا يسأمون من العبادات لأنسهم برب البريات. قال الوليد بن مسلم رأيت الأوزاعي يثبت في مصلاه يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس. وهذا عامر بن عبد القيس التابعي لما أدرك في هذه الحياة الأنس بالطاعة بكى عند احتضاره، فقيل له ما يبكيك ؟ قال: لا أبكي خوفا من الموت أو جزعا منه ولا حرصا على الدنيا، قال: أبكي على ظمأ الهواجر وقيام الليل. وسئل الشعبي عن الإمام الأسود بن يزيد النخعي فقال: كان صواما قواما حجاجا. وهذا أبو عائشة الإمام التابعي مسروق بن الأجدع كان يصلي حتى تتورم قدماه. قالت زوجته: فربما جلست أبكي مما أراه يصنع بنفسه. ولما حضرته الوفاة قال: ما آسى على شيء إلا على السجود لله تعالى. وقال عطاء: رأيت مصلى مرة الهمداني مثل مبرك البعير. إنه التابعي الجليل مرة الطيب، ويقال مرة الخير لعبادته وخيره وعلمه. يقول الذهبي عنه: بلغنا أنه سجد لله تعالى حتى أكل التراب جبهته. واعلم – عبد الله – أنه من علامات مرض القلوب، وضعف التعلق بعلام الغيوب عدم طاعة الله بالاستئناس، مع الأنس بالناس. حتى قال أحد السلف:" علامة الإفلاس الاستئناس بالناس". قال الإمام ابن القيم رحمه الله:" من فقد أنسه بالله بين الناس ووجده في الوحدة فهو صادق ضعيف، ومن وجده بين الناس وفقده في الخلوة فهو معلول، ومن فقده بين الناس وفي الخلوة فهو ميت مطرود، ومن وجده في الخلوة وفي الناس فهو المحب الصادق القوي في حاله" الفوائد. فاحرص على بلوغ منزلة الإحسان وفق العلم الأثري، والهدي النبوي، حتى ترزق الأنس عند الطاعات، ولا تستوحش إذا خلوت بذكر رب الأرض والسماوات، فليس العجب ممن لم يأنس بالله ولم يرزق التوفيق، وإنما العجب ممن أدرك ذلك وانحرف عنه إلى بنيات الطريق.
ماشاء الله تبارك الله أكرمك الله على المرور والإضافة الطيبة التي حقا تستحق أن تكون موضوعا مستقلا أكرمك الله